-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
القرآن كلام الله المنزّل من السّماء

الحلقة (28): الاستشراق المتعصب وحقيقة القرآن

خير الدين هني
  • 416
  • 0
الحلقة (28): الاستشراق المتعصب وحقيقة القرآن

يعدّ الاستشراق المرجف أحد أهم المدارس المتعصبة، ممن طغى الحقد على عقولهم واستولى على أقلامهم ومناهجهم في الكتابة عن القرآن الكريم، فقد حجب الحقد بصائرهم فلم يروا في انعدام الوحدة المعنوية العامة للسور القرآنية بسبب اختلاف مناسبة التنزيل، إلا نقصا فنيا اعترى القرآن في بنيته المعنوية، ولكنهم لم ينظروا إلى ذلك الترابط العجيب في البنية التركيبية الذي شكل إعجازا واضحا وتحديا كبيرا للعرب.

الحقد حين يستبد بالإنسان فإنه يحجب عقله ويفسد معايير التفكير فيه، فلا يرى الحق حقا والفضيلة فضيلة، ولكن الاستشراق المنصف وفيه وجوه منصفة ممن لم يدخلوا في الإسلام، أو من الذين دخلوا في الإسلام، يُقرّون بأن القرآن نص فريد في بنيته التركيبية واللغوية والبلاغية والمعنوية، وتربطه وحدة روحية وهي الوحدة الأسمى التي تمثل تعاليمه.

واختلاف طرق نظم السجع بين القرآن وسجع العرب، وطغيان البحث عن السجعات محافظة على الوزن عند الكهان على حساب المعنى، هو ما يفرق بين السجع في القرآن وبين السجع في غيره من كلام العرب، وجعل الفرق بينهما يكمن في حسن التأليف وجودة التنظيم والسمو القرآني، وهذا أحد وجوه الإعجاز اللفظي في القرآن الكريم، لأن الإعجاز اللفظي يشمل أبوابا كثيرة في التأليف والتنظيم والألفاظ والعبارات والسياقات وطرق الصياغة والإنشاء، في التركيب وحسن الحبك والسبك في المعاني والبيان والبديع وغير ذلك… حيث أعجز العرب على أن يأتوا بمثله سجعا كان  أو مرسلا، وهذا ما شهد به الوليد بن المغيرة حين قال لقومه: “ليس بكلام كاهن لأننا سمعنا كلام الكهان وتمتمتهم” (الكلام المرسل هو الذي لا يتقيد بسجع، ولا نغم أو وزن أو قافية، أو بأي مُحسّن من المحسنات البديعية التي تهتم بزخرفة اللفظ وتنميقه).

تصوّر الدكتور زكي مبارك للقرآن

يعد الدكتور زكي مبارك من كبار المثقفين المصريين من جيل طه حسين، وقعت بينهما معارك أدبية وفكرية كبيرة، تسببت في فصل عميد الجامعة طه حسن، لزكي، من الجامعة التي كان يدرس بها، وهو من مواليد (5 أوت 1892 – ت: 23 يناير 1952)، أديب وشاعر وصحفي وأكاديمي، حصل على ثلاث درجات دكتوراه متتالية، فلقب بلقب الدكاترة، تخرج من السوربون التي تخرج منها طه حسين أيضا، يقول زكي مبارك في القرآن الكريم:

“ولو تركنا المشكوك فيه من الآثار الجاهلية، وعدنا إلى نص جاهلي لا ريب فيه، وهو القرآن، لرأينا السجع إحدى سماته الأساسية، والقرآن نثر جاهلي، كما أوضحنا ذلك من قبل، والسجع فيه يجري على طريقة جاهلية حين يخاطب القلب والوجدان، ولا ينكر متعنت أن القرآن وضع للصلوات والدعوات ومواقف الثناء والخوف والرجاء سورًا مسجوعة تماثل ما كان يرتله المتدينون من النصارى واليهود والوثنيين”!

كلام زكي مبارك في القرآن الكريم، هو ذات ما يروجه الاستشراق عن القرآن والنبي محمد والإسلام، فهم يعتبرون القرآن نصا بشريا وضع في فترة فاصلة بين الجاهلية والإسلام، ولذلك جاء متأثرا بفنون الجاهلية في التأليف والتركيب والسجع، وباليهودية والنصرانية والوثنية في الكلام المسجوع الذي يناسب التراتيل في الصلوات والأدعية والتبتل، وهذه إحدى مغالطات الذين تلقوا معارفهم عن الإسلام  في الجامعات الغربية، على أيدي غلاة المستشرقين من أمثال كازانوفا ومارسيه وغيرهما، فزكي مبارك في كلامه عن القرآن بأنه نص جاهلي ألّف على طريقة الجاهلية في السجع، لم يبدع شيئا من عنده، وإنما ردّد ما تعلمه وحفظه عن أساتذته المستشرقين، ولم يكن وحده من تأثر بهراء المستشرقين وافترائهم عن الحق، وإنما كان يمثل مدرسة فكرية متشكّكة أو ضعيفة الإيمان، انتسب إليها المغرمون بما يقوله المستشرقون عن الإسلام والقرآن والنبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم-ـ

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!