-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مقدّمة حركة القرآن المجيد في النّفس والمجتمع والتّاريخ

الحلقة (29): الرّأي في القـرآن محكوم بضوابط القـرآن

أبو جرة سلطاني
  • 590
  • 0
الحلقة (29): الرّأي في القـرآن محكوم بضوابط القـرآن

القول في كلام الله -جل جلاله- بالرّأي الفالت اجتهاد جاهل لا يستند إلى أصل شرعيّ ولا إلى دليل عرفيّ أو حقيقة لغويّة.. وهو ما جرّأ كثيرًا من “الدّراويش” وبعض أصحاب الشّطحات الصّوفية السّادرة والصّرعى المغيّبين لوظيفة العقل النّبيلة على الافتئات على كلام الله بنسبة علم الكشف إلى بعض أقطابهم الذين يعتقدون نفعهم وضرّهم ويخلعون عليهم نعوتا مهيبة كالوليّ و”الغوث” والقطب الربّاني.. معتقدين أنه يُستغاث بهم مع الله أو من دونه، وأنهم مطّلعـون على الغيب بما كشف الله لهم من حجُب! وأنّ عندهم علم الحقيقة الذي يعتقدون أنه درجة أعلى من علم الشّريعة! وأنهم يتلقّون عن ربّهم “العلم اللدُنّي” بزعمهم، كما تلقّاه موسى -عليه السّلام- عن الخضر -رضي الله عنه- على نحو جرّأ بعض أتباعهم على القول إنّ الله -جل جلاله- يحدّث شيخهم كفاحًا، فيزعم صاحب “البحر المسجور في تفسير كلام الله بمحض النّور” أنّ الكلمة الطيّبة في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء﴾ (إبراهيم: 24)، هي التّوحيد، وهذا صواب، والشّجرة الطيّبة هي قلوب العارفين، وأصلها الثّابت هو “الشّيخ” وفرعها الذي في السّماء هم المريدون والأتباع! وإذا سألته الدّليل زعم أنّ “شيخه” يتلقّى عن الله تعالى كشفا يشبه الإلهام أو الوحي الذي يحدّث به النّاس بإسناده إلى نفسه قائلا: “حدّثني قلبي عن ربّي” قال كذا وكذا، ثمّ يضع ما يشاء من اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة.

مثل هذه المزاعم وأشباهها ونظائرها متروكة وساقطة لا ينبغي الالتفات إليها البتّة. والمعوّل عليه، في فهم كلام الله تعالى، هو ما تواطأ علماء الأمّة وفقهاؤها على إقراره استنادا إلى نصّ القرآن نفسه وأساليبه في الخطاب وما ورد في السنّة النّبويّة الشّريفة من توضيح وإرشاد، وما اشتملت عليه أساليب اللّغة العربيّة، التي نزل بها القرآن، من معان في أوسع ألسنتها وأفصح بيانها وأكثر ألفاظها تداولا وجريانا على ألسنة المتكلّمين بها، وهو ما يمكن أنْ نسمّيه “اللّغة المشتركة” التي تنتهي إليها ذؤابة البيان العربي، لأنها حازت من ألْسنة العرب العاربة والمستعربة أرقى مستوياتها وأعرقها وأفصحها وأبلغها. وهي “الأكاديميّة القُرشيّة ” المُجْمع عليها كلسان مشترك للعرب أجمعين. ثم الاستئناس -بعد ذلك- بما أسّس له كبار الصّحابة والتّابعين -رضي الله عنهم- من قواعد التّعامل مع كتاب الله المسْطور. والتّأمّل الواعي في بدائع كتابه المنظور من مستويات فهم ناسبت عصرهم في حركة صفاء كان فيها القـرآن يتنزّل على المصطفي -صلّى الله عليه وسلّم- فيقرأه على النّاس على مُكْث، فإذا سأله أحدهم عن شيء، أشكل عليه، تنزّلت الآيات توضّح القـرآن بالقـرآن: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ (الفرقان: 33).

مهما يكن من أمـر فإنّ التّوكّل على الله والاستعانة به -سبحانه وتعالى- وسؤاله التّوفيق والسّداد والرّشاد، على فهم كلامه بكلامه، أمـرٌ لازم وجوهري، بل هو عبادة تفتح للعابد أبواب التّوفيق فيهتدي إلى فهم كلام الله بكلام الله لأنّ القـرآن يفسّر بعضه بعضا، إذا رُدّت النّصوص إلى مواردها من عالم بمراد الله من وراء خطابه للنّاس، مثلما فسّر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معنى الظّلم العظيم بالشّرك استنادًا إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان: 13)، ومثلما استصحب المفسّرون الأوائل مناسبات النّزول ليستأنسـوا بها على فهم ما أشكل عليهم من آي القـرآن الكريم. فلا يفهم القرآن إلاّ بمعرفة أسباب نزوله وبتكامل آيِهِ وبإتقان اللّغة التي نزل بها والإمساك بناصيتها: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (يوسف: 2).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!