-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مقدّمة حركة القرآن المجيد في النّفس والمجتمع والتّاريخ

الحلقة (7): القــرآن والسنّة وحيان

أبو جرة سلطاني
  • 473
  • 0
الحلقة (7): القــرآن والسنّة وحيان

في كلام الله تقرير بتفويض رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- ليشرّع بإذنه في الدّين، فإذا طرأ على صواب تشريعه ما هو أصوب منه هداه الله تعالى إلى التي هي أقوم، كقوله تعالى: ((عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينْ)) (التّوبة: 43)، فلمّا كشف الله له عنّ نيّاتهم غيّر أسلوب تعامله معهم من اللّين إلى الغلظة. أو في مسمّى النّاسخ والمنسوخ: ((مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (البقرة: 106)، وهي آية نزلت بمناسبة تقوّل بعض الجاهلين على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه يأمر أصحابه اليوم بشيء ثمّ يكرّ عليه غدًا بالبطلان!! لجهلهم بحقيقة الفرْق بين العلم بالشّيء والكشْف عنه، أو بين البدْء والإبداء وبين ما سبق في علم الله أزلا وما تجري به مقاديره أبدا كشأن تغيير قبْلة المسلمين من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام وما أثير حول من ماتوا أو استشهدوا قبل تحويلها وقبل تحريم الخمر؛ ما مصير صلاتهم وعبادتهم؟ وما حكم ما كانوا يصنعون؟ فطمأنهم المولى -جل جلاله- بقوله: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)) (البقرة: 143).

لا أحد من خصوم هذا الدّين ولا من أعدائه، على حدّ سواء، قال بالأمس كلاما يطعن في كتاب الله إلاّ رُدّ عليه وبالاً. ولا أحد يستطيع اليوم، أو هو مؤهّل غدًا -وإلى قيّام السّاعة- أن يقول في هذا القـرآن شيئا أو يشير إلى نقيصة يظنّها فيه يقيم عليها دليلا أو حجّة أو برهانا، إلاّ الافتراء والدّجل والكذب بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير: ((قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ)) (الأنعام: 149)؛ فجُلّ الذين تطاولوا على كلام الله، جهلا أو غرورًا أو حسدا من عند أنفسهم، ثابوا إلى رشدهم واستعتبوا، إلاّ من بلغت درجة جهله ومستوى سفهه وسقوطه ووقاحته وسـوء حظّه مع الله ما بلغ  سيّئُ الطّالع صاحبُ “آيات شيطانيّة”. ومع ذلك رُدّت عليه أراجيفُه وصار ما كتب سببًا في مدّ هذا الكتاب بالمزيد من الحجج وبفائض من البراهين على أنّه كلام الله التّام الكامل الذي أنزله على عبده ولم يجعل له عوجا. فإذا كان عند القوم ما يعانده فليأتوا به إن كانوا صادقين: ((قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) (النّمل: 64)، فلا كمال إلاّ لذات الله وصفاته وأفعاله، وكلامُه صفةٌ له، فهو المتكلّم، فلا يكون إلاّ كاملا لا اختلاف فيه ولا تعاند: ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)) (النّساء: 82).

من تمام كمال كلام الله أنْ تولىّ حفظه وتحفيظه وجمعه وقرآنه، وطمأن رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- على هذه النّعمة وبشّره بأنّ عليه بيانه: ((لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)) (القيّامة: 16- 18)، فالله الذي أنزله على آخر رسله خاتمًا لصلة السّماء بالأرض إلى يوم القيّامة ضَمن حفظه من التّحريف والتّزييف والزّيادة والنّقصان، وحفظ معه اللّغة التي أنزله بها من الاندثار والموت بتوكيد أنه هو المنزّل وهو الحافظ: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) (الحجر: 9)؛ فهو مُنْزله بالحقّ وهو حافظه بالأمر والقدرة والمشيئة، فلا يتغيّر نَصّه مهما تعدّدت فهومه وتنوّعت تفاسيره وشروحه واجتهاد النّاس فيه، فهو أشبه بالبحر؛ خذ من مائه ما تشاء، ولتصب فيه بحار الأرض كلّها، وليتبخّر من مائه ما يتبخّر ويتصاعد سحبًا وغيوما ثم يمطر، ولتمخر فيه الجواري وتسبر الغوّاصات أعماقه.. فسيظلّ بحرًا تطفو على صفحته الأجسام وينفي خبثه ولا يتغيّر طعمه ولا لونه ولا ريحه. وتلك طبيعة هذا القرآن؛ بحر لا تكدّره الدّلاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!