-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الدراسات الاجتماعية… لماذا؟

عمار يزلي
  • 1395
  • 1
الدراسات الاجتماعية… لماذا؟

تمثل الدراسات الاجتماعية، لاسيما الأنثروبولوجية منها، ركيزة لكل مشروع تنموي اقتصادي، بما يمثل ذلك من دراسات “ماكرو”، و”ميكرو” سوسيولوجية، أي كل الدراسات التي تبحث في الأرقام والأسباب والمسبِّبات للظواهر المتنامية والمتغيرة بتحول مسار التطور أو الانكفاء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي أيضا.

الدراسات الأنثروبولوجية، التي كان مغضوبا عليها في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ولم تكن تُدرس في الجامعات الجزائرية على خلفية أنها “دراساتٌ استعمارية”، وجدت نفسها ما بعد الثمانينيات، تُدرس ضمن حقل علم الاجتماع ولكن باحتشام، قبل أن تظهر معاهد للدراسات في الثقافات الشعبية وتخصصات في أقسام علم الاجتماع.

الدراسات الاجتماعية -على كثرتها- لم تُعتمد ولم تُؤخذ بجدية من قبل أصحاب القرار السياسي، تماما مثل ما كانت المشاريع التنموية تُبنى على دراسات على ورق لتمرير المشروع من دون أرق، غالبا لا تُطبَّق. مكاتب الدراسات العمرانية، كانت إلى حد ما هي “الطالب والمطلوب”، مع ذلك نجد أن المخططات العمرانية كثيرا ما كانت “تضعف” أحيانا عند الإنجاز لسبب أو آخر، قد يكون السبب ضعف الأظرفة المالية المعتمدة التي تتزايد مع مرور الوقت وطول إنجاز المشروع والتسربات المالية التي لا أحد يعرف أين كانت “تتسرب” أو “تُشرب”. الدراسات الاجتماعية والتاريخية لم تكن تمثل إلا مقدمة أو مطلبا تحت فصل أكبر. الدراسات الاجتماعية في هذه المخططات التنموية لم تكن تمثل حتى 10% من حجم الدراسة، أما المقاربة الأنثروبولجية فيكاد لا أحد يأخذ بها.

كنّا زمن الشمولية، وهذا حال كل الشموليات، نعتمد على “الماكرو مجتمع”، دون إعطاء أهمية كبرى “للميكرو سوسييتي”، التي تتطلب دراسات ميدانية مقربة من المجتمع المدروس. كنا بعيدين عن المجتمع وبقينا أبعد عنه طيلة عقود، إلى أن “تطور التغير”، و”تخلف النمو”، و”تأخر التقدم”، وشعرنا أن هناك هوة ترتسم بين السلطة عبر عدة مراحل والشعب ومتطلباته، بل أن السلطة صارت أحيانا في واد والشعب في واد، حتى وصلنا إلى حالة من عدم فهم ما يريده الشعب، والشعب لا يفهم ما يريده النظام. انطلاقا من هذه الحالة الإنكارية للمجتمع لنفسه ولسلطته، شعر القائمون على “حب معرفة ما يحدث”، وهذا بداية من التسعينيات، في البحث عن بحوث تُفهمنا ما سر ظهور مجاميع متطرفة ومجاميع رافضة ومجاميع مستقيلة من الفعل السياسية غير منخرطة في أي توجُّه وغير مبالية بأي سياسة؟ وما سبب الجريمة والجريمة المنظمة والتهريب والترهيب والفقر والهجرة…؟

الوقت كان متأخرا نسبيا، لأن الدراسات الاجتماعية والانثروبولوجيا هي دراساتٌ استشرافية واستباقية من حيث المخرجات والنتائج. لهذا، فإنّ دراسات التسعينيات، يستفاد منها بعد عشر سنوات لا في الحين والساعة، لهذا كنّا دائمين متخلفين في تطبيق توصيات ونتائج البحوث الاجتماعية والانثربولوجيا: هذا إذا عملنا بها أو انتبهنا لها أو اعتمدناها أصلا. آلاف الأطاريح الجامعية، صُفِّفت على الرفوف ولم تأخذ حقها من الاعتناء، ماتت بموت أصحابها ولم تُدرس. العيب إذن ليس في العلوم الاجتماعية والإنسانية، ولكن في الانسان الذي يُشرف على العلوم ويشيخ في المنصب دون أن تنتصب له أذنٌ تجاه مخرجات هذه الدراسات.

المناهج في الدراسات الأنثروبولوجية بحاجة إلى مراجعة، بما يخدم الأهداف والنتائج وخصوصيات المطلب الجزائري المحلي والإقليمي. هذا موضوع يتطلب تفصيلا أكثر، كون أن المناهج هي المُرشد، وكل منهج يُرشد لغير الغاية المطلوبة، الغاية التي يريدها الآخرون ولا تخدم غاياتنا الوطنية وخصوصيتنا المحلية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد

    قيل"كل وسيلة أو أداة تكون صالحة أو ضارة حسب مستعملها"لقد تقلدت بن غبريط"الخبيرة في الأنثروبولوجيا" وزارة التربية فكان من أولى اهتماماتها نزع لغة اللغة العربية من المدرسة وهي لغة ثقافة المجتمع الجزائري ورمز وحدته.ذلك لأنها خضعت للنظرة البرجماتية الغربية التي تعتبر النمو الاقتصادي أساس التطور الحضاري.هنا تكمن مشكلتنا في الجزائر التي تفتقد إلى روح الأنثروبولوجيا الحرة المستقلة عن الفلسفة الرأسمالية التي تجعل من الإنسان وسيلة للإنماء الثروة المادية وليس الهدف الأسمى في العمل البشري.أما إذا أخذنا في الاعتبار العجز الفكري والجهل المعرفي لإطارات الدولة أصحاب القرار فإن أية خطة إنمائية مآلها الفشل لأنها لا تأخذ في الحسبان إلا العامل العاطفي الشخصي أو الانتماء القبلي والعنصري.