الرأي

الذكرى والذاكرة

الشروق أونلاين
  • 1689
  • 0

يمثل يوم عشرين أوت محطة بارزة في تاريخ الجزائر المعاصرة، حيث أن مؤتمر الصومام، أو هذا اليوم التاريخي الذي كان منعطفا حاسما في مسيرة الثورة الجزائرية المباركة، ما يزال يلقي بكل ثقله على الساحة الوطنية، خاصة على مستوى المشهد السياسي الذي ما انفك يتشكل منذ الاستقلال،‮ ‬وكأن‮ ‬هذا‮ ‬اليوم‮ ‬يزداد‮ ‬تأثيرا‮ ‬كلما‮ ‬تباعدت‮ ‬الأيام‮ ‬والأعوام‮.‬
إبراهيم قار علي
بالتأكيد، أن هذه الذكرى التي أصبحت في سجل الذكريات، ما تزال مثل الناقوس، تدق في ذاكرتنا الجماعية، فلم يقتصر الأثر على إعادة هيكلة الثورة الجزائرية على المستوى التنظيمي، وإنما امتد التأثير إلى أبعد من ذلك، فالمبدأ الأساسي الذي يستند إلى قاعدة أولوية السياسي‮ ‬على‭ ‬العسكري‮ ‬ما‮ ‬يزال‮ ‬يختصر‮ ‬الصراع‮ ‬حول‮ ‬السلطة‮ ‬في‮ ‬الجزائر،‮ ‬وهو‮ ‬الصراع‮ ‬الذي‮ ‬بدأ‮ ‬بصيف‮ ‬الدم‮ ‬سنة‮ ‬1962‮ ‬وتواصل‮ ‬مع‮ ‬شتاء‭ ‬الدم‮ ‬سنة‮ ‬1992‮.‬
لقد كان من الطبيعي أن يختلف الجزائريون في قراءة تاريخ العشرين أوت أو ما ترتب على نتائج مؤتمر الصومام، ولكن للأسف الشديد، أن يصبح هذا التاريخ المشترك يفرق الجزائريين أكثر مما يجمعهم، والأخطر من ذلك أن تنخرط في هذا المسعى شخصيات تاريخية كانت قد صنعت الحدث التاريخي‮ ‬أو‮ ‬كانت‮ ‬شاهدة‮ ‬عليه‮.‬
صحيح أن التاريخ يكتبه المنتصرون، وإذا كان العسكريون هم الذين كانت لهم كلمة الفصل منذ فجر الاستقلال على عكس السياسيين، فإننا إلى اليوم ما نزال لم نكتب انتصاراتنا العسكرية ولا انتصاراتنا السياسية، مثلما لاحظ ذلك أحد الرؤساء السابقين للحكومة الجزائرية، وقد وصل‮ ‬الأمر‮ ‬بأحد‮ ‬قادة‮ ‬الثورة‮ ‬الجزائرية‮ ‬عشية‮ ‬ذكرى‭ ‬تاريخ‮ ‬العشرين‮ ‬أوت‮ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‮ ‬بأنه‮ ‬لا‮ ‬توجد‮ ‬هناك‮ ‬إرادة‮ ‬سياسية‮ ‬لكتابة‮ ‬تاريخ‮ ‬ثورتنا‮ ‬المباركة‮.‬
لقد تحولت الكثير من الأحداث التاريخية إلى ما يشبه الألغام التي تركتها القوات العسكرية الفرنسية! أو ما يشبه الطابوهات التي يحرم الحديث عنها! وبدل أن نسارع إلى تفكيك مثل هذه الألغام أصبحنا نزرع المزيد من القنابل اليدوية لتنفجر في وجوهنا ووجوه الأجيال القادمة، ويتذكر الجميع أن الرئيس الجزائري الأول أحمد بن بلة والذي يعد من أبرز القادة التاريخيين للثورة الجزائرية، كان قد فتح على نفسه باب جهنم! عندما تحدث في المسكوت عنه في مؤتمر الصومام، بل إن العقيد الرئيس علي كافي قد قادته مذكراته التاريخية إلى قاعات المحاكم!
لم يكن من الطبيعي أن يسكت المؤرخون والباحثون الجامعيون، وإن كان من الطبيعي أن يسجل صنّاع الأحداث التاريخية شهاداتهم ويكتبون مذكراتهم، فإنه ليس من الطبيعي أن يتحول الجدل التاريخي إلى جدل سياسي، ويصبح الشغل الشاغل للطبقة السياسية التي لم يعد يهمها من التوظيف‮ ‬السياسوي‮ ‬للتاريخ‮ ‬غير‮ ‬البقاء‭ ‬في‮ ‬السلطة‮ ‬أو‮ ‬الوصول‮ ‬إليها‮.‬
ولعل‮ ‬الأغرب‮ ‬من‮ ‬كل‮ ‬هذا،‮ ‬أن‮ ‬الجدل‮ ‬التاريخي‮ ‬الذي‮ ‬ما‮ ‬انفك‮ ‬يثيره‮ ‬مؤتمر‮ ‬الصومام،‮ ‬قد‮ ‬أخذ‮ ‬طابعا‮ ‬إيديولوجيا‮ ‬في‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬الأحيان،‮ ‬وكأنه‮ ‬امتداد‮ ‬للصراع‮ ‬الدامي‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬السلطة‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮ ‬المستقلة‮.‬
من الواضح! أن مثل هذا الجدل العقيم الذي يفضح التوظيف السياسوي للثورة الجزائرية، إنما يهدف إلى تغييب الحقيقة التاريخية، مادامت هذه الحقيقة سوف تفضح الكثير من الأدعياء وخاصة أولئك الذين يريدون تمثيل أدوار البطولة بأثر رجعي! على الرغم من أن التاريخ لن يعود إلى‭ ‬الوراء،‮ ‬وإنما‮ ‬يتجه‮ ‬نحو‮ ‬المستقبل‮!‬
.. ولكن مع ذلك ما يزال هذا المستقبل رهين الماضي، فإلى متى يبقى الجزائريون رهائن التاريخ، بل رهائن الأخطاء التاريخية، أليس من واجب الذاكرة أن نشرح الذكرى ونأخذ منها ما نعتبر به ونترك النفايات في سلة المهملات حتى لا نرمي بالتاريخ في المزبلة!!!

مقالات ذات صلة