-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الردة

حسان زهار
  • 408
  • 1
الردة

منذ اندلاع الربيع العربي، وظهور بوادر صحوة عريبة اسلامية شاملة، أدرك أعداء الأمة من الخارج والداخل، أن الخطر عظيم، وأن الخطب جلل، وأن الرد على هذه الشعوب، التي كانت تبدو ميتة، وتحركت بدافع من دينها وأصالتها وحبها الجامح للحرية والأنوار، لابد أن يكون قاصما للظهر، مهلكا للحرث والنسل، شاملا لكل مناحي القوة الذاتية، بحيث لا تقوم للأمة مرة أخرى قائمة، خلال المائة سنة المقبلة.

والحقيقة أن الرد كان صاعقا فعلا.. فموجة “الثورة المضادة”، التي حزمت أمرها، من داخل بعض دول الخليج، بدعم صهيوأمريكي واضح، مباشرة بعد ما أسقطت الكثير من الشعوب الثائرة أصنامها، كانت في منتهى الخبث والسفالة، بحيث لم تكتف بالتآمر على حكم الإخوان في مصر وليبيا مثلا، ولم تعد نظام بن علي بلباس مختلف إلى حكم تونس وحسب، وإنما تآمرت حتى على ثورة الشعب السوري التي كانت تدعمها في البداية، فقط لتكون تلك الثورة الدامية، بصورها البشعة من صور القتل والدمار والتنكيل والبراميل المتفجرة، درسا لباقي الشعوب، كي لا تفكر مرة أخرى في الثورة، ثم لا تنتشر هذه العدوى الثورية إلى عروش تلك المماليك.

غير أن الطامة الكبرى، أن الثورة المضادة، التي يمولها المال الخليجي الوسخ، وتخطط لها الدوائر الصهيونية، عبر عملاء ومرتزقة وأفاقين، لم تتوقف عند الحدود السياسية لوأد آمال وأحلام الشعوب، بل قررت أن تضرب في العمق، عبر تدمير مقومات القوة في الأمة، وهو دينها الإسلامي، الذي صعدت تياراته السياسية إلى سدة الحكم، في أول انتخابات تعددية في هذه المنطقة، لتبدأ مرحلة الردة الشاملة، على كل ما يربط الأمة بتاريخها ودينها وموروثها الثقافي.

ما يحدث اليوم في تونس، يلخص هذه الهجمة الشرسة برمتها، فالدعوة الرسمية التي أطلقها الرئيس السبسي بالمساواة في الميراث بين المرأة والرجل، وإمكانية ان تتزوج المرأة التونسية الرجل المشرك، كانت خلاصة هذه الردة، التي كانت بداياتها في الكثير من الدول العربية، في الدعوة إلى إعادة النظر في المناهج الدراسية، بدعوى محاربة أفكار التطرف والإرهاب، عبر تخفيض ساعات التربية الإسلامية، وتقليص المحتوى الديني إلى أقصى الحدود، وحذف النصوص التي تتضمن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.

وفي تجليات هذه الردة الملعونة، أن يصبح العملاء أبطالا، والخونة قادة منقذين، وحثالة القوم علماء ومفتين، يشار إليهم بالبنان، وتفتح لهم ابواب السلطان، بل إن مصر العزيزة، وأم الدنيا كما يقولون، بدأت تقدم نماذج فاجرة لتحتل منابر الدعوة إلى الله، لم يكن أقلها سوءا فتح المجال للراقصات والعاهرات لفعل ذلك، بعد أن تم تغييب العلماء الحقيقيين، عبر قتلهم والزج بهم في غيابات السجون.

إن الردة الحالية، تبدو أكثر شراسة من الردة الأولى في اعقاب انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، عندما قرر الأعراب التوقف عن دفع الزكاة لبيت مال المسلمين، وقالوا نكتفي بالصلاة.. حينها جهز الخليفة أبو بكر الصديق الجيوش لوأدها في المهد، فكانت حروب الردة التي أعادت للإسلام رونقه وعزته، حتى ساد العالم.

أما وقد تفتق عهد جديد للردة، أما وقد صرنا نرى أمثال السيسي والسبسي، قادة للأمة، وأمثال حفتر ودحلان والمالكي، زعماء متوجين، يصولون ويجولون ذبحا في رقاب المسلمين، أما وقد تداعت دول عربية لحصار دولة عربية أخرى هي قطر، بعد أن استكملت دورها القذر في حصار غزة، اما وقد استأسدت الميليشيات الشيعية وصار لها القول الفصل في سوريا الحبيبة وفي العراق، وتحول اليمن إلى يمنين أو ثلاثة..

أما وقد نال نظام الأسد الأمان من الروس والأمريكان، بعد أن دمر الحجر والشجر وذبح الإنسان، أما وقد تمدد المشروع الفارسي الطائفي إلى أربع عواصم عربية، وصار التطبير واللطم في شوارعها على رؤوس الأشهاد، أما وقد صار “الكيان” صديقا، وأمنت إسرائيل على نفسها، ونامت نوم قرير العين هانيها، ثم صارت المرأة رجلا، والرجل امرأة، عبر تكريس كل هذه “الدياثة” السياسية في الواقع، عبر تغيير أحكام المواريث، والعفس على آيات القرآن الكريم، فإن الردة قد اكتملت فصولها، ولكن.. لا أبا بكر لها. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • رابح اليسري

    يبدوا من خلال شرحك اوتحليل للواقع العربي المرير القريب جدا من الصواب فقط امتزاج تحليلك بشعور الياس والاحباط ........انا اقول لك لا تحزن ..انا ابن الارض والفيافي ..انا من يجلس علي الجمر ....اقول لك لا تحزن انت ومن قرا هدا المقال ....لقد اتي الربع العربي اكله وحقق عدة انجازات يغفل عنها الكثير ......الربيع حرك البرك الاسنة ...الربيع كشف جميع العورات ....كشف جميع الخونة المرتزقة ...اصحاب الوطنية اصحاب الحي المتصهينة.....اخ....لا تحزن اخي انكشف الكل .....القصية قضية وقت اصبر تري....