الرأي

الرسائل المجهولة.. ما لها وما عليها!

قادة بن عمار
  • 4031
  • 13
ح.م

قرار السلطة مؤخرا بمنع الرسائل المجهولة من التبليغ عن الفساد وفضائح التسيير، له مبرراته الواقعية، لكنه ما يزال حتى الآن، بحاجة إلى شرح دقيق ومفصّل، وإلى متابعة حثيثة للأصل فيه، والأصل هنا يتمثل في محاربة الفساد ووقف مظاهره، وما الرسائل المجهولة إلاّ وسيلة قد يُعاد النظرُ فيها أو استبدالها.

وممّا لا شك فيه، أن السلطة نفسها تواجه معادلة صعبة بهذا الخصوص، فهي لا تريد من جهة للرسائل المجهولة أن تتحوّل إلى ثقافة لتصفية الحسابات أو لتعطيل المصالح العامة، ومن جهة ثانية، فهي تدرك أن الكثير ممّن اتبعوا هذا الأسلوب، لم يجدوا أفضل منه خوفا من طردهم من مناصبهم، أو لعدم توفّر الحماية القانونية لهم، وقد ساهموا فعليا في كشف العديد من القضايا والفضائح، فما الحلّ إذن؟

كيف يمكن معالجة كثرة الرسائل المجهولة، دون السقوط في فخّ التحريض المجاني، أو تشويه السمعة، أو استعمالها من طرف البعض كـ”حق يراد به باطل”؟ ثم ما هو البديل الحقيقي هنا؟ وهل يضمن هذا البديل، حماية الشهود، وتوفير التغطية القانونية والأمنية للمبلّغين عن الفساد أم لا؟

تستند التعليمة الرئاسية الأخيرة إلى الوضع المعقَّد الذي باتت تعانيه الكثير من الإطارات السامية في البلاد، ممّن شلتهم الشكاوى الكثيرة والبلاغات المستمرة عن أداء مهامهم، إذ أظهرت بعض التحقيقات أن عدّة مشاريع باتت متوقفة بسبب توقيعٍ هنا أو مصادقة هناك، نظرا للمخاوف الكبيرة من تُهم التشكيك والتخوين وسوء التسيير، وربما ساهمت أيضا مشاهد المسؤولين الكبار وهم يُساقون إلى المحاكم والسجون في الأشهر الأخيرة، بمضاعفة تلك المخاوف، وقد أدركت الجهات العليا في البلاد هذا الأمر، فقرّرت وضع حدّ لهذا المناخ الطارد للكفاءة، والناشر لثقافة تصفية الحسابات والانتقام، لكن في الوقت ذاته، فإنّ الرسائل المجهولة، وإن كانت كيدية لدى البعض، فهي لدى آخرين، تمثل متنِّفسا لمواجهة الفساد، بعد ما تحوّل هذا الأخير، إلى غول حقيقي، وتمت مأسستُه ليصبح دولة داخل الدولة.

الرسائل المجهولة ستتوقف تلقائيا إذا ما تمّ تفعيل القوانين لتصبح شفَّافة أكثر، مع ضمان استقلالية حقيقية للعدالة، وستتوقف أيضا، إذا ما تم مراجعة دور الإعلام ودفعه لاستعادة وظيفته الأساسية في كشف الحقيقة، واسترجاع دوره المهني المنشود في الحصول على المعلومة ونشرها بعد التأكُّد منها، والملاحظ أنّ الرئيس تبون وهو يأمر بوضع حدّ للرسائل المجهولة، دعا أصحابها إلى التوجُّه مباشرة إلى وسائل الإعلام وفضح المتلاعبين بالاقتصاد الوطني، ولم يذكر جهاتٍ أخرى ومن بينها تلك التي تأسست مؤخرا… كـ”وسيط الجمهورية” مثلا!

لكن وبغضّ النظر عن الجهة المخوَّلة باستقبال الشكاوى، فإنّ السؤال الملّح هو: هل ستوفر تلك الجهة الحماية للمبلّغين؟ ومن يضمن عدم متابعتهم قضائيا لمجرّد غياب دليل مادي وقوي؟

المؤكد أن السلطة تريد مراجعة شاملة وقريبة لمنظومة مكافحة الفساد ككل، وقد قالها وزير العدل بلقاسم زغماتي أكثر من مرة، مشيرا إلى أنه “من غير اللائق محاربة الفاسدين الكبار على أساس جنح لا جنايات”، أمرٌ إن تم إصلاحُه فعلا، وبشكل نهائي وصحيح، فسيدفع المواطنَ لا محالة، إلى استعادة بعض ثقته في مؤسسات الدولة، وحينها، لن يحتاج إلى الاختفاء وراء رسالةٍ مجهولة للتبليغ عن رشوة أو اختلاس، بل ستصبح مكافحة الفساد شرفا مبنيا للمعلوم، وصاحبه محميا بالقانون.

مقالات ذات صلة