السقي الذكي.. مستقبل الفلاحة لمواجهة الجفاف

يسابق قطاع الفلاحة في الجزائر الزمن، من أجل إيجاد أحدث الطرق والتقنيات المبتكرة في اقتصاد المياه الموجهة لسقي المنتجات الفلاحية والأشجار، تخفيفا عن الفلاح والمشاكل التي تواجهه في ظل نقص الموارد المائية وحالة الجفاف التي تتزايد مخاوفها من سنة لأخرى، تؤدي في كثير من الأحيان إلى تسجيل نقص حاد في مياه الآبار إن لم نقل تعرّضها للجفاف الكلي في مناطق مختلفة، وهو ما ألحق أضرارا ببعض الفلاحين الذين أحصوا خسائر بالملايين بعد تعرض منتجاتهم للتلف.

خبرات هولندية في الجزائر لاقتصاد السقي في الزراعة

الطرق التقليدية في سقي المنتجات الفلاحية والأشجار، لم تعد مجدية في الوقت الراهن بسبب التغييرات المناخية الناجمة عن الاحتباس الحراري وشح الأمطار حيث بات على الكل تكثيف الجهود من أجل مواكبة التطور الزراعي الذي أدخلت عليه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، من أجل مواجهة التحديات العالمية في توفير الأمن الغذائي ضمن ظروف طبيعية أقل ما يقال عنها أنها صعبة، ضاعفت من حدتها الأزمة الأوكرانية التي يعتبرها الخبراء، الفرصة السانحة للنهوض بالقطاع واستغلال حتى المساحات الصحراوية التي أثبتت نجاعتها وذلك استعانة بالخبرات العالمية وفي مقدّمتها الأمريكية والهولندية، هذه الأخيرة التي لها تجارب في استغلال “السيلسيوم” والشرنقة المخفضة لاستغلال مياه السقي…

السليسيوم الطبيعي.. يقاوم التقلبات الجوية ويقوّي النباتات

يعتبر “السليسيوم” من أهم المواد الطبيعية الفعالة التي تضاف للنباتات والمزروعات وتمنح لها القوة وتقلّل عنها الأمراض، كما يعتبر استغلالها ومزجها بمياه السقي من أكثر الطرق الحديثة لمواجهة الجفاف واقتصاد المياه المستغلة في السقي الزراعي، وهي الطريقة التي لجأ إليها الكثير من الفلاحين لتحسين منتجاتهم الزراعية عبر العالم، وأكد في السياق أحد الخبراء الهولنديين المعروف لدى الفلاحين باسم “فيليب” خلال إشرافه على عرض منتجات مؤسسة “سيليفورص”، أنّ مادة “السليسيوم” تعتبر من أكثر المواد استغلالا من طرف الفلاحين في بقاع مختلفة من العالم، لتحسين المنتجات الفلاحية، كمّا ونوعا فضلا عن استطاعة هذا المنتج، اقتصاد مياه السقي، مشيرا على هامش اليوم التقني والدراسي الذي عقدته الغرفة الوطنية للفلاحة مؤخرا، الذي تناول موضوع أساليب السقي المستحدثة لترشيد المياه، أنّ هذه المادة تعتبر ثاني أهم عنصر للنبات بعد الأوكسجين، فهي موجودة في الرمال، ولأن الجزائر تزخر بمساحة شاسعة من الصحراء –حسبه- يسهل الحصول على هذا المنتج واستخراجه، فهو يمنح القوة للنبتة ويقلّل من الأمراض التي تصيبها ومقاوم للتقلبات الجوية أما الثمار فتكون ذات نوعية وذوق جيد بألوان جذابة أكثر.

التجربة في تلمسان مكّنت من اقتصاد المياه 4 أشهر كاملة

وأشار المتحدث أنّ هذه المادة التي تمنح الجودة للتربة، يمكن أن تقلص ما نسبته 90 بالمائة من الأجهزة والوسائل المستغلة في الزراعة كما يمكن لأي منتج أن يزرع طوال السنة بإضافة هذا المنتج لاسيما وأنّ الجزائر تملك الكثير من الأراضي غير المزروعة التي طالها التصحر، حيث يمكن استغلالها –حسبه- باستعمال منتج “سيليفورص” الذي بإمكانه خفض استغلال مياه السقي في حال دمجه بها، إذ يمكن لعلبة من سعة 250 ملل، تغطية هكتار من الأراضي بعد دمجه بالمياه.

دلاء “الشرنقة”.. حل واعد

صاحب مؤسسة ” groasis” الهولندية، هو الآخر كان حاضرا في هذا اللقاء الذي ضم العديد من المستثمرين في المجال الفلاحي، حيث كان محملا بتجربة يمكن لها اقتصاد المياه في المجال الزراعي بنسبة 90 بالمائة، خاصة فيما تعلق منها بالأشجار المثمرة وحتى أشجار الغابات، ولما لا استغلالها في إعادة غرس السد الأخضر بأشجار اقتصادية تتحمّل الجفاف، كما تم الاستعانة بها مؤخرا في ولاية تلمسان لغرس أشجار الخروب التي توفر اقتصادا مميزا، حيث استطاع القائمون على غرسها اقتصاد المياه لمدة 4 أشهر دون منحها أي كمية أخرى من الماء، ويمكن لهذه التقنية أن تساعد في غرس آلاف البساتين في جبال جرداء وتوفر مصدر رزق للعديد من الشباب خاصة في حالة التفكير في زراعة أشجار لها إضافة اقتصادية أو تمنح مواد أولية وتقاوم الطبيعة الصعبة ..فـ”الشرنقة” هي عبارة عن دلو أو وعاء متصل بأنبوب في الوسط يتم غرس النبتة به أو الشجرة ويحاط به موقع لتجميع المياه متصل بخيط من الأسفل له دور في اقتصاد استغلال المياه.

وتشير أغلب التصريحات في هذا الصدد، أنّ “الشرنقة”، ابتكار يهدف إلى زراعة الأشجار في التربة غير الصالحة للزراعة والمساهمة في المحافظة على بيئة أكثر صحية ورفع الإنتاج الزراعي في المناطق ذات التربة المتدهورة والقاحلة التي لا تمتلك موارد مائية كافية..

ونظرا لكون التقنية غير مكلفة عرض الحاضرون بالملتقى على صاحب المؤسسة إنشاء مصنع بالجزائر حتى يتم ضمان التصنيع المحلي.

لقاءات تقنية للتحسيس باقتصاد المياه في الفلاحة

تحركات حثيثة تقوم بها الغرفة الوطنية للفلاحة وحتى وزارة القطاع بغية إيجاد الحلول المبتكرة والسريعة من أجل ترشيد استغلال مياه السقي في الزراعة، حيث عقد مؤخرا لقاء تقني بمقر الغرفة الوطنية للفلاحة، ضم مختلف الفاعلين والخبراء، واستمع المشاركون لكامل التدخلات التي شاركت فيها السفارة الهولندية بعرض تجاربها على الفلاحين الجزائريين، فيما رافع بعض الخبراء من أجل إحداث شراكة مع الجزائر، تقوم على إنشاء مصانع للمنتجات المعروضة، وأبدى الساهرون على الغرفة، نيتهم مواصلة مثل هذه اللقاءات بشكل دوري تشمل نماذج وخبراء جدد من دول مختلفة، لطرح آخر التطورات المستغلة في مجال السقي الذكي.

استغلال مختلف التقنيات لتحقيق الاكتفاء الذاتي

وأشار في هذا الصدد، الإطار بالغرفة الوطنية للفلاحة، المكلف بالإرشاد والتكوين حميد برناوي لـ”الشروق”، إلى أنّ الجزائر تمر بالعديد من التحديات جعلتها تضع استراتيجيات من أجل تطوير وتوسيع المساحات المسقية، فالحديث عن الماء من خلال هذه اللقاء، يفرض علينا-حسبه- ضرورة تدارك كل ما يحيط بالجزائر من تغيرات مناخية وصراعات على هذا المورد الذي يتطلب مرافقة تكنولوجية حديثة واستحداث تقنيات تسمح باقتصاد المياه في المجال الزراعي، تماشيا مع إستراتيجية رئيس الجمهورية المتعلقة بتحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة في الشعب الإستراتيجية والفلاحة الصحراوية، وستكون التجربة الهولندية كانطلاقة في انتظار مواصلة لقاءات أخرى.

وتطرق المتحدث إلى التجربة الهولندية الرائدة لمرافقة مهنيي القطاع الفلاحي من أجل التمركز واستحداث التقنيات التي تسمح لنا باقتصاد هذا المورد بدون الإضرار بمستقبل الأجيال اللاحقة تماشيا مع الفلاحة الذكية والمستدامة، مذكرا أنه حان الوقت للتكيف مع المتغيرات المناخية التي تعيشها الجزائر من جفاف منذ سنوات حتى نطور القطاع الفلاحي ونحقق أمننا الغذائي ولا يكون هذا –حسبه –إلا باستغلال الأجهزة المقتصدة للماء وتكوين وإرشاد الفلاحين لاستغلال هذا المورد بشكل مدروس، لاقتصاد استغلال المياه في السقي بالموازاة مع استمرار أزمة المياه بالجزائر.