الرأي
لا بديل عن التّعايش والنّصيحة

السنّة والشّيعة.. تقارب ووحدة أم تعايش ودعوة؟

سلطان بركاني
  • 3665
  • 0

لقد حُقّ لنا أن نتساءل بعد كلّ الذي أوردناه من حقائق في الحلقتين السّابقتين: هل يراد لنا بعد كلّ هذا أن نتنكّر لأقوال أئمّة الإسلام وعلماء المسلمين المتواترة والمتضافرة في ذمّ التشيّع الباطنيّ والتّحذير منه، ونغضّ الطّرف عن تجارب من تحمّسوا للتقريب بين السنّة والشّيعة من العلماء والدّعاة والكتّاب المتأخّرين، ثمّ عادوا أدراجهم بعد أن اكتشفوا الخديعة وأدركوا الحقيقة؟ أم أنّه يراد لنا أن نغضّ أبصارنا وبصائرنا عن المصادر الأساسية للمذهب الشّيعيّ التي تؤسّس لمواقف وممارسات الشّيعة في العالم، ونتشبّثَ بكتاباتٍ وتصريحاتٍ تخرج مخرج التقية وتوجّه للاستهلاك الإعلاميّ، يكتبها ويطلقها بعض رموز التشيّع لاستمالة المتحمّسين من أهل السنّة، لا تجد لها طريقا إلى الواقع، لأنّ الشّيعة جميعا يفرّقون بين أمثال هذه الكتابات والتّصريحات التي يعرفون وجهتها، وبين الأقوال التي تصنع الواقع، والتي يجدونها في مصادر المذهب ورسائل المراجع، وتدرّس في حوزات قمّ والنّجف، ويسمعونها على المنابر الحسينية، وفي كلمات الرواديد (المنشدين)، ويردّدونها في أدعية الزيارات والمناسبات، وتنشر في المنتديات ومواقع التّواصل الاجتماعيّ؛ هذا الإرث هو الذي يصنع ممارسات الشّيعة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ويغريهم بحرب النّواصب وأخذ الثارات من البكريين والعُمريين وأحفاد بني أمية وبني العبّاس وبني عثمان، وليس تصريحات الخمينيّ التي ينقضها ما حشا به كثيرا من كتبه ورسائله (كتاب “كشف الأسرار” نموذجا)، وتنسفها ممارساته وحروبه التي شنّها وشنّتها دولته على المسلمين، ولا تصريحات الخامنئي الذي أبى إلا أن يقدّم للأمّة أوضح دليل على وفائه للنّهج الصّفويّ، عندما أقرّ 3 مشاريع لترميم مزار أبي لؤلؤة المجوسيّ في منطقة كاشان الإيرانيّة، ومضى على نهج الخمينيّ في منع بناء مساجد جامعة لأهل السنّة في طهران، وفي التّضييق عليهم وعلى علمائهم ودُعاتهم في الأهواز.

من هم المفرّقون للأمّة؟

إنّ المفرّقين للأمّة ليسوا هم المنافحين عن مصادر دينها وعن تاريخها ورموزها، في وجه العدوان الشّيعيّ العلمانيّ، إنّما هم أولئك المتحمّسون الذين لا يجدون غضاضة ولا يرون فُرقة في مهاجمة بعض طوائف أهل السنّة بقليل من الحقّ وكثير من الباطل، بينما يغضّون طرفهم عن العلمانيين، ويستميتون في الدّفاع عن مذاهب طائفيّة لم يَخبُروا حقيقتها ولم يطّلعوا على مصادرها، ولا يرون أيّ ضرر في تغريرها بشباب هذه الأمّة؛ وهؤلاء المتحمّسون الذين أبوا إلاّ أن يتنكرّوا لتجارب من سبقوهم، لو كلّفوا أنفسهم شيئا من عناء النّظر في مصادر الشّيعة وفي واقع حوزاتهم وحسينياتهم، لأدركوا عِظم الجرم الذي يرتكبونه في حقّ هذه الأمّة، بدعوتهم إلى السّكوت عن جنايات القوم في حقّ الإسلام والمسلمين؛ ومع ذلك فإنّ جُرمهم أقلّ من جرم صنف آخر من المنافحين عن التشيّع، ممّن باعوا دينهم بعرض من الدّنيا قليل، ورضوا لأنفسهم بأن يكونوا موظّفين لدى السّفارات الإيرانيّة، يتلقّون منها أعطياتهم لينفّذوا مخطّطاتها في التّرويج للمذهب الذي تُخصّص لنشره ميزانيات طائلة، وهؤلاء لا يجدون مستندا يُسعفهم في واقع الأمّة سوى التستّر خلف شعارات الوحدة والتّقارب والعدوّ المشترك، هذه الشّعارات التي لا تجد لها مكانا في واقع أتباع المذاهب الطائفية، الذين لا يرون دينا ولا حقا إلا ما هم عليه، ولا يرون مستقبلا لخياراتهم إلا على أنقاض الخيارات التي تتبنّاها جماهير الأمّة.

هؤلاء يخدعون السنّة ويغشّون الشّيعة

هؤلاء الكتّاب المنافحون عن الشّيعة والدّاعون للوحدة معهم، مع نكارة دعوتهم وبعدها عن الواقعية، فإنّهم ابتداءً يظلمون الأمّة عندما يجعلون الشّيعة الذين لا تصل نسبتهم 20  % من المسلمين، في المقام نفسه مع السنّة الذين يمثّلون أكثر من 80 % من مجموع الأمّة، ويصوّرون لأهل السنّة بأنّه لا عزّ لهم إلا بوضع أيديهم في أيدي الشّيعة والتّنازل عن بعض الحقّ الذي معهم لأجل التّقارب معهم، وفوق هذا وذاك، يقلِبون الأمور ويحرّفون الحقائق حينما يصوّرون لأهل السنّة بأنّ الاعتدال هو الغالب على التشيّع وأنّ الغلوّ طارئ وشاذّ، وهي دعوى تنقضها مصادر الشّيعة ويكذّبها واقعهم، فالغلوّ والتطرّف هو السّائد والغالب على التشيّع في هذا العصر، والاعتدال استثناء تُوجّه إلى دعاته سهام الحوزات الشّيعيّة في قم والنّجف، ولعلّ موقف هذه الحوزات من محمّد حسين فضل الله وعلي الأمين واليعقوبي والصّرخيّ، خير مثال في هذا الصّدد.

كما أنّ دعاة الوحدة هؤلاء، يغشّون الشّيعة أنفسهم، عندما يستميتون في الدّفاع عنهم ومحاولة إسكات كلّ صوت ناصح يدعوهم إلى مراجعة مذهبهم، والتخلّي عن عقائدهم وأدبياتهم التي شذّوا بها عن جمهور الأمّة، والتفطّن قبل هذا وذاك لحقيقة المؤامرة التي وقعوا ضحية لها، وفي مثل هذا يقول الشّيخ محمّد الغزاليّ رحمه الله: “ولماذا نستحي من وصف القبوريين بالشّرك؟، مع أنّ الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصف المرائين به فقال: (الرّياء شرك)؛ إن واجب العالم المسلم أن يرمق هذه التوسّلات النابية باستنكار، ويبذل جهده في تعليم ذويها طريق الحق، لا أن يفرّغ وسعه في التمحّل والاعتذار! ولست ممّن يحبّ تكفير النّاس بأوهى الأسباب، ولكنْ حرام أن ندع الجهل يفتك بالعقائد ونحن شهود. أيّ جريمة يرتكبها الطبيب إذا طمأن المريض ومنع عنه الدواء، وأوهمه أنه سليم معافى؟ إنّ ذلك لا يجوز”. (عقيدة المسلم: ص85).

الموقف الصّحيح من الشّيعة والتشيّع

إنّ الموقف الصّحيح من الشّيعة والذي تؤصّل له نصوص الشّرع وكلمة أئمّة الإسلام وعلماء المسلمين وتؤكّده تجارب التّاريخ والواقع، هو التّعايش الذي يُفضي إلى التّعامل في حدود ما يقتضيه الجوار والانتساب إلى الإسلام، ويُمنع بموجبه الاعتداء والتّكفير بالجملة، ويفرّق بين الحكم على الأقوال والأفعال والحكم على الأعيان، مع حفظ واجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وواجب الدّعوة والمناصحة والمصارحة. ولو أنّ كلمة أهل السنّة اجتمعت على إنكار شذوذات الشّيعة ورفض عدوانهم على مصادر الدّين ورموزه، وعلى معاملتهم معاملة الابن العاقّ، لأدركوا حجمهم الحقيقيّ ولعاد كثير منهم إلى رشدهم وكفّوا عن عقوقهم.

إنّ هذه الأمّة هي أمّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، أمّة الوحدة الحقيقية وليست أمّة الوحدة الخادعة “بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ”، أمّة تعلم من كتاب ربّها أنّ الوحدة لا تتحقّق بترك شيء من الدّين لإرضاء طرف من الأطراف أو جهة من الجهات، وأنّ التّنازل عن شيء من الحقّ هو أعظم سبب للفرقة والتّنازع “وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ” (المائدة).

إنّه لم يعد من مصلحة الأمّة أن نبقى مصرّين على اللّهث خلف أحلام لا يمكن أن تتحقّق، وعلى رفع شعارات فضفاضة لا يمكن أن تجد لها طريقا إلى الواقع، وُلدت في وضع بائس منكوس، وأثبتت وقائع التّاريخ والحاضر أنّه لا بدّ من مراجعتها.

 

أعداء الخارج يسعون حقيقةً إلى بثّ الفرقة بين المسلمين، لكنّهم يبثّون هذه الفرقة بدعم مذاهب يتحرّك أتباعها بخلفيات عقائدية تغريهم بالانتقام من أمّة رفضت خياراتهم، ونكّست راياتهم، وتبيح لهم استعمال التقية واللّجوء إلى كلّ الأساليب المتاحة، للوصول إلى أهدافهم، والواجب إزاء هذا الواقع هو السّعي للحيلولة بينهم وبين هذه الأهداف، بالتّحذير والنّصيحة والبيان، لتجنيب الأمّة مزيدا من الحروب والفتن الدّاخلية.

مقالات ذات صلة