-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشباب في الحراك الاجتماعي

التهامي مجوري
  • 3207
  • 0
الشباب في الحراك الاجتماعي

حضرت الأسبوع الماضي 27/28 مارس 2015، الملتقى التاسع للقرآن الكريم الذي تنظمه شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لولاية الوادي، وكان عنوانه “الشباب والتحديات”، وقد أراده منظموه فضاء مفتوحا بين المحاضرين والشباب، بحيث يتقدم المحاضر بكلمة موجزة في الموضوع المقرر، ثم يفتح مدير الجلسة المجال للنقاش، فيطرح الشباب انشغالاتهم ويرد المحاضرون الذين هم من الشباب والشيوخ والكهول..

وبقدر ما سرني هذا الصنيع والفضاء المفتوح بين فئات لم تلتق في حياتها في حوار هادئ يبصر الجميع بفضائل ورذائل الجميع، في مجتمع لم يعرف الحوار له طريقا، خرجت بانطباع أن هناك حلقة مفقودة، لم يهتد إليها المتحاورون..، حيث استمعت إلى السادة الشباب والكهول والشيوخ، يرددون كلاما مذبذبا.. فمن الشباب من قال المشكلة في الكبار، ومن الكبار من قال المشكلة في الصغار، وبعض الكبار قال نحن فشلنا وبعض الشباب قال نحن مقصرون.. وكأني بهذا اللقاء اتهامات واعترافات، مبنية على انطباعات وعواطف تشتكي من واقع متأزم، وإلا فالواقع أن التاريخ لا يعرف الهزيمة مهما كانت الاخفاقات، والسبب في النجاحات والإخفاقات، لا يمكن ان يكون منحصرا في شريحة بعينها، والتقييم لا يعتبر نافعا إذا انطلق من “نحن وأنتم وهم”؛ لأن حركة المجتمع تفاعلية لا تغني فيها فئة عن فئة، وحتى إذا أردنا أن نقول أن فئة غلبت أو ارادت أن تغلب غيرها بالخير أو بالشر، فإنها لا تستطيع إلا بالقدر الذي تسمح به هذه الفئة أو تلك.

فالشيخ أو الكهل الذي يقول فشلنا هو في الحقيقة لم يفشل، وإنما أدى ما عليه وفق واقع معين وزمن معين وإمكانيات معينة, اللهم إلا إذا كان مقصرا فذلك أمر آخر, وكذلك الشباب لا نقول عنه مقصر لأن طبيعته طاقة تبحث عن قنوات للصرف، ولا يستطيع كبحها، فإن لم تصرف في الخير صرفت في الشر، ومن ثم فإن فعاليته لا تظهر إلا في أطر ممهدة وجاذبة للشاب وطاقته، والمتابع لحركة المجتمعات واضطراباتها، يلاحظ هذا الذي أقول، وهو أن هذه القوى الفاعلة في المجتمع، إن لم تكن منتظمة في أطر سياسية واجتماعية معينة، لا تنتج إلا الفوضى والفراغ. 

إن الشباب الذي كان محل بحث ودراسة في ذلك الملتقى، هو فئة عمرية ما بين 18 و40 سنة، مسبوقة بمرحلة الطفولة الممتدة من 0 إلى 17 سنة، ومتبوعة بمرحلتي الكهولة من 41 إلى 60 سنة، والشيخوخة من 61 إلى النهاية.

وأهم هذه المراحل كلها على الاطلاق مرحلتي الشباب والكهولة، باعتبارهما قوة بين ضعفين، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، وتمثلان القدرة على التدبير والطاقة الفاعلة (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ).

وإذا رحنا نوازن بين هاتين المرحلتين، فإننا نلاحظ أن مرحلة الشباب أهم وأقدر على التفاعل مع الواقع، وأسرع إلى التجاوب مع التحديات التي تمر بها المجتمعات؛ لأنه يملك الطاقة ومؤهل لتولي مهمة التدبير الذي هو من مهام الكهول في العادة لما تملك مرحلة الكهولة من التجربة والحنكة وحسن التقدير.

ولكن عندما يقصر الكهول في القيام بواجبهم في حركة المجتمع، سواء بسبب الضعف الذاتي، المتمثل في الضعف المعرفي والبعد عن الاهتمام بالشأن العام والانطواء والانغلاق على الأنانية المفرطة، أو بسبب إكراهات الواقع الذي يحتمه الاستبداد والنظم الفاسدة، فإن المؤهل لأخذ زمام المبادرة هو الشباب؛ لأن الأمر متعلق بمستقبله، فشباب اليوم هو كهل الغد، وإذا لم يبادر بمضاعفة الجهد لسد الفراغات التي تركها الكهول في المجتمع، فإنه سوف يكون هو الضحية، وهذا الأمر ليس خيارا وإنما هو استجابة لطبائع الأشياء، التي ترفض الفراغات…، ولذلك نرى ان في جميع المجتمعات أن الشباب هو قطب الرحى، إذا كان المجتمع منظما، فإن الشاب يجد نفسه في سيرورة وتفاعل إيجابي، يريح الشاب وينفع المجتمع، ومن ثم يجد الشاب نفسه يفكر في مضاعفة الجهد لصرف أكبر قدر من طاقته التي يحملها، اما إذا لم يجد هذه الأطر الناظمة للأفراد، بسبب تقصير الكهول وفساد النظم والمؤسسات فإن الشاب لا يعفى؛ بل إن قدره أن يتحمل مسؤولية شق الطريق ولو كان الذي بين يديه فراغا؛ لأنه الوحيد المؤهل لتدارك النقائص، من حيث أنه يملك أهم مقوم للنجاح وهو الطاقة، وتبقى الخبرة وحسن التدبير والتقدير يمكن اكتسابها بمضاعفة الجهد، ولذلك كانت الحركات الإصلاحية والثورية والثقافية على يد شباب، خاصة في المجتمعات التي غلب عليها الضعف والقعود، ونالت مننهم الهزائم النفسية، ونقول الشباب لأن غيرهم ليسوا إلا عاجزين مثل الأطفال والشيوخ، او مترددين كما هو الحال مع الكهول.

ولو أخذنا تجربتنا الجزائرية كمثال على ذلك، لرأينا أن أكبر مؤسسي جمعية العلماء كان عمره 41 سنة، وهم ابن باديس والعقبي والابراهيمي والعمودي والميلي وغيرهم، وكان تأسيسهم للجمعية مسبوق بنشاطات عمرها 20 سنة، أي ان القوم شرعوا في العمل وهم أبناء العشرين، وكذلك رجال الحركة الوطنية السياسية، الذين كان من بينهم مجموعة الـ22، أعمارهم أيضا دون الأربعين باستثناء إثنين أو ثلاثة منهم كانت أعمارهم فوق الأربعين ومنهم سي مصطفى بن بولعيد رحمه الله؛ بل إن الذين تولوا الحكم بعد ذلك بقطع النظر عن مستوياتهم ومستوى أداءهم، كانوا شبابا أيضا، شعباني 27 سنة بوتفليقة 23  احمد طالب 28 سنة,,,إلخ.

فتتبع النقائص في أي جهة هو ليس هو الحل، وإنما الحل في عرض القضايا كما خلقها الله وكيف كان يتعامل معها الإنسلن وفق الخبرة التاريخية، وعلى رأس الأمور التي ينبغي استخضارها في معالجة القضايا الإنسانية ومنها مشكلات الشباب، هي الاهتمام بالشأن العام وحمل الهم؛ لأن حمل الهم هو الذي يدفع بالشاب إلى قنوات صرف طاقته، وإذا لم يكن حاملا للهم، فإنه يحرص على صرف طاقته، ولكن عبر المغامرات والإندفاعات غير المجدية ولعل هذا ما يفسر استقطاب حركة داعش للقوى الشبانية من كل العالم رغم عدم وضوح مشروعها.  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • عايدة

    لماذا تقول يا كاتب ان اهداف داعش غير واضحة فسر لي من فضلك او من يقرا المقال يفسر لي من فضلكم