-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
يعد حدثا عائليا هاما لدى سكان المنطقة

“الشدة”.. هدية صيام البنات لأول مرة بتلمسان

ع. بوشريف
  • 359
  • 0
“الشدة”.. هدية صيام البنات لأول مرة بتلمسان
أرشيف

ما إن تصل البنات بتلمسان سن السابعة من العمر، أو يزيد عن ذلك ببضعة شهور، حتى تبدأ الأمهات في تحفيزهن لصيام رمضان الكريم، ولا يوجد هنالك أفضل من “الشدّة التلمسانية” كأحد التحفيزات الرئيسة، التي تعمل الأسر بعاصمة الزيانيين على اعتمادها لترغيب البنات على صوم أول يوم لهن، طبعا بالإضافة إلى إغراءات أخرى من مأكولات ومرطبات وأحيانا كثيرة هدايا تليق بمقام هذا الحدث المهم، إلا أن لباس “الشدة” يبقى الأكثر إغراء، فالكثيرات منهن بحسب ما أشارت إليه الآنسة “مزيان يامينة”، مهتمة بالشأن الثقافي في الولاية، يفضلن ارتداء الشدة التلمسانية، حتى يظهرن مثل “العروسات” في حفل زفاف، وهو ما يبعث في أنفسهن الغبطة والسرور في اللحظة التي يرتدين فيها الشدة التلمسانية على وقع الزغاريد والأغاني.
بعد ذلك، يتم مرافقتهن إلى أقرب محل للتصوير الفوتوغرافي من أجل أخذ صور للذكرى، وتبقى تلك الصور تحمل أجمل ذكرى لهن وهن لا يزلن صغيرات، ذكرى توثق لأول يوم صُمن فيه، وجعلهن يشعرن بأنهن أصبحن قادرات على الصوم بشكل عادي.
صيام البنت الصغيرة بتلمسان، يختلف جذريا عن صيام الأولاد، إذ تبقى تحتفظ هذه المناسبة الجميلة بالكثير من التفاصيل الجذابة، وكأننا أمام حدث مهرب من عوالم أسطورية، إذ بمجرد أن تبدي الطفلة رغبتها في الصيام، حتى تبدأ الأم وأفراد العائلة في التحضير لهذا الحدث المهم، أين يتم تحضير أطباق مأكولات متعددة ومتنوعة وغالبا ما تخضع لرغبة البنت في اختيارها، لتبدأ الفرحة مباشرة بعد الإفطار وتأخذ النسوة في إلباس الشدة التلمسانية كعربون اعتراف منهن على أن البنت الصغيرة تمكنت من تحقيق أمر مهم سيبقى محفورا في ذاكرتها مدى العمر، وأنها بداية حقيقية لتعليم البنات الصغيرات تحمل المشقات، وغرس قيم الصبر وتحمل صعوبة الصوم، وتقريبهن أكثر من عوالمهن الروحية، لمعرفة مدى أهمية الصوم كعبادة في حياة الفرد المسلم، والجزاء الذي سيناله الصائمون عند الخالق القدير، وهي أهم الأمور التي تسعى العائلة إلى إيصالها للبنات الصغيرات، وكتقدير لمجهودهن يكون من حقهن ارتداء لباس “العروسة”، فهن فعلا تحولن إلى عرائس، لتبدأ بعد ذلك البنت الصغيرة تتعايش مع أيام رمضان بكثير من الحب، بعدما وصلت إلى تحقيق أحد أركان الإسلام بكثير من الإيمان بالله، وهي كلها أمور تخلق أجواء ساحرة داخل العائلات التلمسانية، حيث بمجرد سماع صوت أذان المغرب وتأخذ البنات في قطع الصيام بحبات التمر والحليب، حتى تتعالى الزغاريد من المنازل وكأنك أمام مشهد احتفالي يستحق فعلا أن يعيشه الجميع، ثم تبدأ النسوة في الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم-، وتبقى النسوة يرددن هذه الصلوات على الرسول الكريم أكثر من مرة، على أن يلتف جميع أفراد العائلة على طاولة الإفطار، في أجواء من الفرح قل نظيرها، كإشارة إلى أن الطفلة الصغيرة أصبح باستطاعتها الصيام.
الهدف من وراء هذه العادة، بحسب ما استقيناه من معلومات، يندرج في سياق تنشئة الفرد، ولا يوجد هنالك أحسن من رمضان باعتباره أفضل وأحسن الشهور التي يمكن أن تساعد العائلات على التربية الحسنة للأطفال، لما يزخر به من قيم إنسانية نبيلة، مثل التضامن والتآزر وحب فعل الخير، والتقرب إلى الخالق بالعبادات، وهي كلها ممارسات تساعد على تربية الأطفال أحسن تربية، إذ يبقى رمضان هو ذلك المعلم الذي تنتظره العائلات التلمسانية مرة في السنة، من أجل أن تتعلم وتقترب أكثر إلى الله العلي القدير.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!