-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشورى في بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه

الشورى في بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه

تمّت بيعة علي رضي الله عنه بطريقة الاختيار، وذلك بعد أن استشهدَ الخليفةُ الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، على أيدي الخارجين المارقين الشذاذ الذين جاؤوا من الافاق، ومن أمصار مختلفة، وقبائلَ متباينة، لا سابقة لهم، ولا أثر خيرٍ في الدين، فبعد أن قتلوه رضي الله عنه زوراً وعدواناً يوم الجمعة لثماني عشرة ليلةً مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين فبايعه المهاجرون والأنصار وكلُّ مَنْ حضر، وكتب بيعته إلى الافاق، فأذعنوا كلَّهم إلا معاويةَ في أهل الشام، فكان بينهما بعدُ ما كان. [فتح الباري، 7/72].
إنَّ خلافة علي رضي الله عنه محلُّ إجماعٍ على أحقيتها وصحتها في وقت زمانها، وذلك بعد قتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ حيث لم يبقَ على الأرض أحق بها منه رضي الله عنه، فقد جاءته رضي الله عنه على قدرٍ في وقتها ومحلّها. [عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحبة، 2/693].
اعترض بعضُ الناس على الإجماع على خلافة علي فقالوا: إن أهل الشام ـ معاويةَ ومن معه ـ لم يبايعوه، بل قاتلوه.
والجواب: أنَّ معاوية رضي الله عنه لم يقاتِلْ علياً على الخلافة، ولم ينكر إمامته، وإنّما كان يقاتل من أجل إقامة الحَدّ الشرعي على الذين اشتركوا في قتل عثمان، مع ظنّه أنّه مصيبٌ في اجتهاده، ولكنه كان مخطئاً في اجتهاده ذلك، فله أجرُ الاجتهاد فقط [العواصم من القواصم، ص 150].
وقد ثبت بالروايات الصحيحة أنَّ خلافه مع علي رضي الله عنه كان في قَتْلِ قتلةِ عثمان، ولم ينازعه في الخلافة، بل كان يقرُّ له بذلك، فعن أبي مسلم الخولاني أنه جاء وأناسُ معه إلى معاوية وقالوا: أنتَ تنازِعُ علياً، هل أنتَ مثله؟ فقال: لا والله، وإنِّي لأعلمُ أنَّه أفضلُ منِّي، وأحقُّ بالأمرمني، ولكنْ ألستُم تعلمون أنَّ عثمانَ قُتِلَ مظلوماً، وأنا ابنُ عمّه والطالبُ بدمه؟ فأتوه فقولوا له: فليدفع إليَّ قتلةَ عثمان، وأسلم له، فأتوا علياً فكلّموه، فلم يدفعهم إليه. [تحقيق مواقف الصحابة، 2/147].
ويروي ابنُ كثير من طرق بسنده إلى أبي الدرداء وأبي أمامة رضي الله عنهما أنّهما دخلا على معاوية فقالا له: يا معاوية علامَ تقاتِلُ هذا الرجل؟ فوالله إنّه أقدمُ منك ومن أبيكَ إسلاماً، وأقربُ منك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحقُّ بهذا الأمر منك، فقال: أقاتِلُه على دم عثمان، وإنَّه اوى قتلته، فاذهبا إليه فقولا له: فليقدنا من قتلةِ عثمان، ثم أنا أوَّلُ مَنْ أبايعه من أهل الشام. [البداية والنهاية، 7/270].
والرواياتُ في هذا كثيرةٌ مشهورةٌ بين العلماء، وهي دالّةٌ على عدم منازعة معاوية لعلي رضي الله عنهما في الخلافة. ولهذا نصّ المحققون من أهل العلم على هذه المسألة وقرروها، يقول إمام الحرمين الجويني: إنَّ معاوية وإن قاتل علياً، فإنّه لا ينكِرُ إمامته، ولا يدّعيها لنفسه، وإنّما كان يطلبُ قتلة عثمان ظناً منه أنه مصيب وكان مخطئاً.
وكان أميرُ المؤمنين عليٌّ موافقاً من حيثُ المبدأ على وجوبِ القصاص من قتلة عثمان، وإنّما كان رأيه أن يرجىء القصاص من هؤلاء إلى حين استقرار الأوضاع، وهدوء الأمور، واجتماع الكلمة.
1. حقيقةُ الشورى في بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
إنَّ البيعة للخليفةِ الرابع علي رضي الله عنه لم تختلِفْ من حيثُ مبدأ الشورى عن مثيلاتها السابقة بالرغم من الأزمة التي ألمّت بالأمة، والأحوال المدلهمة، والمشكلات المتتابعة، فلم تتمَّ البيعة على أساس عشائري، أو أُسري، أو قبلي، أو على أساس عهد ووصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو وجدَ شيءٌ من هذا القبيل لما حصل هذا الحوارُ الطويل، ولما رفضَ أميرُ المؤمنين، ولكان أوّلَ من يُطالب بحقه. بينما كان الناسُ هم الذين يدفعونه إلى البيعة دفعاً، ويلحّون عليه في الطلب إلحاحاً، وهو يروغُ منهم متخلّصاً، لعلّه يَحْدُثُ ما يمنعه من ذلك، إلى أنْ قبلَ على كُرْهٍ منه، ولم يطالبوه بهذا على أساس وصيةٍ من رسول الله له ـ ولو وجدوا شيئاً من ذلك لما تردّدوا في تنفيذه ـ ولا على أساس أنه من بني عبد مناف، أو لأنه من قريش فحسب، بل لأنه من السابقين، ومن العشرة المبشرين بالجنة، ولأنه الثاني بعد عثمان في اختيار الناس لهما عند تطبيق عملية الشورى بعد مقتل عمر بن الخطاب، فكان عبد الرحمن بن عوف لا يشيرُ عليه أحدٌ بتنصيب عثمان خليفة بعد عمر إلا سأله: ولو لم يكن عثمان موجوداً فمن تختار؟ فيقول: علي رضي الله عنه. [علي بن أبي طالب للمؤلف ص، 188].
2. من أقوال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في الشورى:
كان أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حريصاً على التزام منهج الشورى في تصرّفاته وأعماله وقراراته، فمن ذلك أنّه حينما وصل إليه كتابٌ من قائده مَعْقِل بن قيس الرياحي المكلَّفِ بمحاربة الخرّيت بن راشد الخارجي، جمع أصحابه، وقرأ عليهم كتابه، واستشارهم، وطلب منهم الرأي، حيث اجتمع رأيُ عامتهم على قولٍ واحدٍ وهو: نرى أن تكتبَ إلى مَعْقِلٍ بن قيس فيتبعَ أثرَ الفاسق، فلا يزال في طلبه حتى يقتله أو ينفيه، فإنّا لا نأمنُ أن يفسدَ عليك الناسَ.
ومما روي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في الشورى قوله: ((الاستشارةُ عينُ الهدايةِ، وقد خاطر من استغنى برأيه)) وقوله: ((نعم المؤازرةُ المشاورةُ، وبئسَ الاستعدادُ الاستبداد))، وقوله: ((رأيُ الشيخِ خيرٌ مِنْ مشْهَدِ الغلام)). [علي بن أبي طالب ص، 225].
وممّا أوصى به أميرُ المؤمنين علي مالك بن الحارث الأشتر حين بعثه إلى مصر في الشورى قوله: ولا تدخلَنَّ في مشورتِكَ بخيلاً، فيعدِلُ بك عن الفضلِ، ويَعِدُكَ الفقرَ، ولا جباناً، فيضعِفُكَ عن الأمور، ولا حريصاً، فيزيّن لك الشِّرَهَ بالجور، فإنَّ البخلَ والجُبْنَ والحِرْصَ غرائزُ شتّى يجمعُها سوءُ الظنّ بالله». [الإدارة العسكرية في الدولة الإسلامية، 1/27].
وكان عليٌّ رضي الله عنه يعلمُ أنَّ الحاكمَ إذا لم يكن له مستشارون فلا يعلمْ محاسنَ دولته ولا عيوبها، وسوفَ يغيبُ عنه الكثيرُ في شؤون الدولة وقضايا الحكم، وكان يعلمُ أنَّ الشورى تعرِّفهُ ما يجهله، وتضعُ أصابعَه على ما لا يعرفه، وتزيلُ شكوكه في كلِّ الأمور التي يقدم عليها، فها هو يقولُ للأشتر النخعي عندما ولاَّه مصر: «انظر في أمور عمالك الذين تستعملهم، فليكن استعمالُكَ إيّاهم اختباراً، ولا يكنْ محاباةً ولا إيثاراً، فإنَّ الأَثَرَةَ بالأعمال (أي الاستبداد بلا مشورة) والمحاباةَ بها جماعٌ من شُعَبِ الجور والخيانة لله، وإدخَال الضرر على الناس، وليستْ تصلحُ أمورُ الناس، ولا أمورُ الولاةِ إلاّ بإصلاح مَنْ يستعينون به على أمورهم، ويختارونه لكفاية ما غابَ عنهم، فاصطفِ لولايةِ أعمالك أهلَ الورعِ والعفّةِ والسياسةِ، والصَقْ بذوي التجربةِ والعقولِ والحياءِ من أهل البيوتات الصالحة وأهلِ الدين والورع، فإنّهم أكرمُ أخلاقاً، وأشدُّ لأنفسهم صوناً وإصلاحاً، وأقل في المطامع إسرافاً، وأحسن في عواقب الأمور نظراً من غيرهم، فليكونوا عمّالك وأعوانك. [الشورى بين الأصالة والمعاصرة. عز الدين التميمي ص، 102].

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: ” الشورى فريضة إسلامية”، للدكتور علي محمد الصلابي.
المراجع:
• فتح الباري، ابن حجر العسقلاني.
• عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحبة، ناصر الشيخ.
• العواصم من القواصم، أبو بكر بن العربي.
• أدب الدنيا والدين، الماوردي.
• الإسلام وأصول الحكم عند الإمام علي رضي الله عنه، د. إبراهيم هلال.
• الشورى بين الأصالة والمعاصرة. عز الدين التميمي.
• الشورى فريضة إسلامية، علي محمد الصلابي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!