الشياطين!
الصدفة التي جعلت محاكمة حسني مبارك ونجليه جمال وعلاء تلتقي مع شهر رمضان المعظم، أعطت انطباعا أن وقوفهم خلف القضبان شبيه بتصفيد الشياطين في هذا الشهر الكريم، حيث تُشد وتوثق بالأغلال، تماما مثلما وقع يوم أمس، مع الفرعون ونجليه وزبانيتهم في الداخلية!
-
لكن، وبعدما صُفّدت الشياطين الكبيرة، فماذا عن البقية؟ وما سبب استمرار الفوضى واشتعال الثورة المضادة؟ وهل صحيح أن فلول النظام السابق بمصر تعبث وحدها بالاستقرار؟ أم إن للأمر علاقة بالثقافة السياسية الفقيرة والمضطربة عند الشعوب العربية؟
-
ألا يجلس كل حاكم عربي الآن على أريكته المريحة، وسط جيش من مستشاريه وحاشيته، وزوجاته وأبنائه، ليقول بينه وبين نفسه الأمارة بالسوء، اليوم مبارك ونجليه، وقد أكون أنا وأبنائي في مكانهم غدا؟ ألم تجعل الثورات العربية من محاكمة الظالمين أمرا واقعا، بعدما كانت قبل أشهر قليلة ضربا من المستحيل؟
-
جريدة إسرائيلية علقت على الحدث الكبير، فقالت إن محاكمة مبارك تعدّ عبرة للحكام العرب، ولاشك أن الأسد ومعه القذافي وعلي عبد الله صالح، وكل رئيس طغى وتجبر، باتوا اليوم مضطرين لإعادة التفكير في الموت الذي يخافونه، والحياة التي يطلبونها.. فكثير من هؤلاء قالوا بالأمس وهم يشاهدون الفرعون داخل الزنزانة: “إن موته أفضل من حياته”، ولذلك فكر مبارك ـ ربما ـ في التوقف عن تعاطي الدواء والأكل سعيا للرحيل، وهو الذي كان قبل ثورة 25 يناير في مصر، لا ينام الليل بحثا عن طريقة أو أسلوب لمواجهة الموت، وعندما عجز، لم يجد غير التوريث سبيلا للبقاء في السلطة!
-
أمّا لمن حركت فيهم صورة الرئيس المخلوع بعض المشاعر اللقيطة، فطالبوا برحمته من الإذلال، فهم مدعوون لمشاهدة صور مئات الشهداء من الشباب والأطفال، الذين ماتوا في ظرف يومين بمصر، أثناء الثورة الأخيرة.. ولو توفر لهم الوقت، فليشاهدوا ويدققوا في صور الآلاف ممن انتهكت أعراضهم، وماتوا ذلا وهوانا في أقسام الشرطة تحت التعذيب، أو لملايين المرضى والشيوخ والأطفال من الفلسطينيين، الذين ماتوا تحت الحصار، ولملايين المسلمين الذين تآمر عليهم مبارك وعصبته، إلى الدرجة التي اقترح فيها نتن ياهو مكافأة له: العلاج واستضافته بقية حياته، ناهيك عن مطالبة البعض في الكيان الصهيوني بتسمية أحد الميادين في حيفا باسمه!
-
مبارك ليس وحده.. صحيح، فلاشك أن الكثير من الحكام العرب، طعنوا هذه الأمة في الظهر، بعضهم مات وفرّ من الإذلال الدنيوي ليواجه الحساب العسير.. والبعض الآخر أرعبته الثورات، وأرهبه التغيير، وهو اليوم، أشد رعبا بعدما شاهد صور الفرعون وراء القضبان، وتبين له أن الدنيا يوم لك في السلطة، وأيام عليك خارجها.