-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشيخ المصلح سعدي الطاهر حراث كما عرفته

الشيخ المصلح سعدي الطاهر حراث كما عرفته

هو أحدُ تلامذة ومقربي الشيخ العربي التبسي في معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، ومن أنشط خريجي جامعة الزيتونة في خدمة العروبة والإسلام والجزائر، ومن أهم معينيه في المعهد، وواحد من أفصح خطباء ومتكلمي العربية في الجزائر الحديثة المستعمَرة. ومنهم من يعدّه من أساتذة المعهد، فقد أشار بعض الطلبة أنهم تلقوا دروس النحو والصرف والعربية وآدابها عن الشيخ الطاهر حراث في سنين المعهد الأخيرة، كما أشار بعضهم أنه كان يرافق بعثاتهم نحو تونس.

والشيخ الطاهر الخطيب الشجاع والفارس الذي لا يُشق له غبار كما عرفته عندما كان يزور تبسة ويقف مزمجرا كالأسد في وجه عبيد الاستعمار.. وينادي فينا نحن الشباب سنوات 1975-1980م نداء الأمل في الجزائر العربية المسلمة، ويرانا استمرارا لمسيرة الأبطال الأشاوس.. أذكر عندما كان يأتينا لقسمة الحزب بتبسة يقف الجميع له إجلالا واحتراما، وأذكر كثيرا من المناضلين الأبطال أنهم إذا حلّ بتبسة حضروا لسماعه والاستمداد منه.

وكان المناضلون الشرفاء الأكثر منا سنا ينهضون احتراما له ولأمثاله، فقد جاء مرة صحبة المجاهد القائد (مقداد جدي) و(علي فارس) لمدينة تبسة سنة 1979م في شهر رمضان لإحياء ليلة من لياليه العظيمة بتبسة، حتى ترى قاعة المغرب قد غصت بالرجال والشباب لسماعه، وكان مناضلو تبسة يصمتون في حضرته وحضرة أمثاله، ومرة سألت مناضلا صديقا لي فقلت: (لماذا تقف إجلالا لجدي مقداد؟) فقال لي: هذا القائد أبى أن يُسلم المجاهد القائد الرمز (لزهر شريط) سنة 1957م للجنة التنسيق والتنفيذ وعصى أمرها، لأنها كانت تريد تنفيذ حكم الإعدام فيه.. وتابع حديثه قائلا: وهذا الشيخ الطاهر حراث الفحل الهمام المجاهد الذي كان الرئيس الراحل بومدين يحترمه ويجله إلى أبعد ما تتصورون.. والشيخ الطاهر حراث حفظ الكثير من أعمال وتراث الشيخ العربي التبسي ولاسيما خطبه ودروسه الشفهية..

والشيخ (سعدي الطاهر حرّاث التبسي) من مواليد دوار “بجّن” بلدية العقلة من أعمال دائرة الشريعة ولاية تبسة، ولد يوم 07/07/1926م في عائلة متدينة محافظة، كانت تشتغل بالرعي والزراعة. وينتسب إلى فرع العلاونة من قبيلة اللمامشة ومن عشيرة “أولاد حراث” الشديدة المراس بين سائر عشائر قبيلة اللمامشة. التحق بكتّاب القرية حيث تلقى تعليمه الأول فيها قبيل سنة 1937م، وفي تلك السنة غادر تبسة إلى تونس ليلتحق بجامع الزيتونة، الذي تابع فيه الدراسة -مع بعض الانقطاع- أثناء الحرب العالمية الثانية، ولم يستطع إتمام دراسته فيه إلاّ سنة 1948م لينال شهادة التحصيل بامتياز كبير.

وفي جامع الزيتونة المعمور كان تلميذا نشيطا يفيض بالحيوية والثورة المتوقدة، يتحرك في سبيل نهضة أمته وتحررها من ربقة الاستعمار الفرنسي وأعوانه، كما كان نائبا للكاتب العام لجمعية الطلبة الجزائريين الزيتونيين الشيخ محمد الشبوكي – يرحمه الله- وكان كثيرا ما يُراسل جريدة البصائر، ويزودها بالمقالات الطوال، ويُعلم إدارة الجمعية بمسار الطلبة ونشاطاتهم هنالك، من ذلك مراسلته لجريدة البصائر تحت عنوان “الطلبة الجزائريون بتونس”، ونعرض له هذا المقال تحفيزا للدارسين على متابعة أعمال الرجال، لاسيما بعد طبع صحف الجمعية كلها في دار الغرب الإسلامي، ومما جاء في مقاله: ((كانت الثقافة القومية ولا تزال من أصح المقاييس التي يُقاس بها مقدار تقدم الأمم ودرجات رقيها الفكري والاجتماعي معا. ونحن إذا نظرنا إلى الأمة الجزائرية النبيلة من هذه الناحية وجدناها – وإن قضى عليها في عشرات من السنين الخوالي بخمول عقلي وركود فكري كان أثرهما سيئا جدا فيها- على جانب من الاستعداد عظيم مما يُؤهلها باستحقاق لما تصبو إليه من عز ومناعة ونعيم حر.

ولا أدل على ذلك من هذا السيل القوي الذي يزداد عدده عاما فعاما، بل يوما فيوما. مسارعا إلى ظئر الشمال الإفريقي الأغرّ “الزيتونة ” العامرة، فقد فسر رغبته تلك في ذلك اللغز الغامض والمعنى المبهم الذي طالما اختلف فيه الناس، وهو ما في نفس هذه الأمة العربية المسلمة من خميرة يقظة وانتباه أخذت تتحرك بعد سكون، وتنبعث بعد ركون.

ولقد ساعد على نمو هذه الحركة المباركة هيئتان جليلتان هما “جمعية العلماء المسلمين” بالجزائر و”مشيخة الجامع الأعظم وفروعه” بتونس، فلجمعية العلماء الرشيدة فضل إيجاد الروح وتنمية الطموح، وللمشيخة العتيدة فضل التقوية والتكميل. ولعمري إن الطالب بالمعنى الحق لا يستغني عن هذا وذاك.

ولا يعزب عنا ما يسود تلك النفوس الطاهرة من إخلاص للعلم، وما يراود هذه الناشئة البريئة من انقطاع إلى العمل في سبيل تحصيله، كان لكل منهما أثره الخاص الذي لا يخفى في انتشار الحركة العلمية بالقطر الجزائري.

و”جمعية الطلبة الجزائريين الزيتونيين” التي تسهر على مصالح الطلبة وتوجيههم إلى ما فيه الخير والسداد للأمة والوطن، تُذكّر الأمة الجزائرية عموما والمقيمين بتونس الشقيقة منها على الأخص بما يعانيه هؤلاء المهاجرون من أبنائها الذين اصطفتهم المقادير لتلقي رسالة العلم الثقيلة، وتحمُّل آلام الهجرة الطويلة من تعب في المساكن إلى نصب في المعاش ومن عناء في الكسوة إلى وصب في الفراش.

الشيخ الطاهر الخطيب الشجاع والفارس الذي لا يُشق له غبار كما عرفته عندما كان يزور تبسة ويقف مزمجرا كالأسد في وجه عبيد الاستعمار.. وينادي فينا نحن الشباب سنوات 1975-1980م نداء الأمل في الجزائر العربية المسلمة، ويرانا استمرارا لمسيرة الأبطال الأشاوس.. أذكر عندما كان يأتينا لقسمة الحزب بتبسة يقف الجميع له إجلالا واحتراما.

وإليك أيتها الأمة الجزائرية جمعاء نرفع هذا النداء المنبعث من وراء الأفق الغريب، على أنه من باب التذكير للشعب كله وللهيئات التي لم تشارك قبل في الأخذ بيد الطلاب، الذين ما هم – وإن أبوا– إلاّ آلة لتشييد صرح المجتمع الجزائري الأعلى، وهو الغرض الأسمى الذي تتحد عنده جميع المبادئ، وتقف أمامه كل الأغراض، وتُقبَر فيه كل النزعات.

أيتها الأمة الجزائرية المسلمة العربية إن الواقع يفرض علينا أن نقول إنا منك أمة، وإليك أمة، فلتكن مساعدتك لنا أمة أيضا.

أما أنت أيها الشعب التونسي الأكرم فقد أديت إلينا ما تراه واجبا حتميا، ونراه منك كرما وفضلا من عطف وحنان ومساعدة جميلة تذكر لك فتشكر عليها.

ويعلم الله أننا ما أردنا من تخصيص هذه الكلمة بإخواننا الجزائريين المقيمين بتونس وضواحيها – من بين إخواننا التونسيين – إلاّ لأنهم بأحوال الطالب الجزائري أعلم وواجبهم نحوه آكد.)).

وبعد نيله لشهادة التحصيل من جامع الزيتونية المعمور في سنة 1948م عاد إلى بلدته تبسة، ليلتحق بالتدريس في مدرسة الشريعة الحياة الحرة سنتي 1950/1951م التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بتوصية من الشيخ المرحوم العربي التبسي، لينتقل بعدها للتدريس في مدرسة أخرى تابعة لجمعية العلماء بمدينة عنابة، وفي عنابة كانت له صولاتٌ وجولات في الدعوة والوعظ والإرشاد والتربية والتعليم، حتى ترك بصمات مَعْلَمية في ناشئة المدينة.

وعُيِّن من بعدها مدرِّسا في معهد عبد الحميد بن باديس عام 1952م، وظل مدرسا فيه إلى سنة 1955م وهي السنة التي لبى فيها نداء الشيخ العربي التبسي لطلاب ومدرِّسي وشيوخ الجمعية العلماء للالتحاق بصفوف الثورة التحريرية المباركة.

وأثناء الثورة شغل مناصب ثورية وعسكرية هامة، من مسؤول توجيه داخل مدينة قسنطينة، إلى مسؤول بالمنطقة السادسة بالولاية التاريخية الأولى، إلى أن عيِّن بتاريخ 20/07/1957م واليا مشرفا على علاقات جبهة التحرير الوطني بتونس العاصمة، ثم منسقا عاما لجميع الولايات داخل الجمهورية التونسية منذ سنة 1958م، كما عيِّن بعدها منسقا عاما لجميع الوزارات داخل تنظيم الحكومة الجزائرية المؤقتة منذ 1960م إلى سنة 1962م.

كما شغل من بعد الاستقلال مناصب سياسية هامة، فعُيِّن محافظا لحزب جبهة التحرير الوطني بولاية عنابة سنة 1965م، ثم ترك العمل الحزبي والسياسي والتحق بالتربية والتعليم، وأصبح مديرا لثانوية عبد الحميد بن باديس ثم لثانوية رضا حوحو بقسنطينة إلى سنة 1980م، إلى أن صار مفتشا عاما للغة والأدب العربي إلى تاريخ وفاته، كما كانت له نشاطات دينية ودعوية عديدة، فقد عُيِّن- رحمه الله- رئيسا لبعثة الحج الجزائرية العديد من المرات، وقد تُوفِّي بعد مرض عضال يوم 04/04/1981م ودفن ببلدته “العقلة” في موكب جنائزي مهيب فليرحمه الله في الخالدين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • لمياء رحال

    ترى من سيكتب عنك حين تغادر هذه الدنيا؟ أنا من ستكتب عنك و عن وفاء قلمك و نظافة ضميرك و عن عشقك للعلم و العلماء… طبعا هذا إن لم أغادر قبلك. تحياتي

  • أماني. س

    فليرحمه الله في الخالدين. حزين جدا أن لا نعرف شيئا عن رجل و بطل مثله.