-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الغاز الصخري بين الأوهام السياسية والجدوى الاقتصادية

ناصر حمدادوش
  • 514
  • 2
الغاز الصخري بين الأوهام السياسية والجدوى الاقتصادية
ح.م

في أوّل مقابلة للرئيس تبون مع وسائل الإعلام يوم الأربعاء 22 جانفي 2020م تحدَّث عن الغاز الصخري بشيء من التهوين، مع أنه لا يزال يثير الجدل ويسيل الحبر، بعيدًا عن استراتيجيات أمن الطاقة وتغيُّر خارطتها، معتبرًا أنّ التطور التكنولوجي قضى على مشكلة التلوّث، مستدلاً بأمريكا ووجود فيلات فيها تنام على مكامن الغاز الصخري، وأنّ الخطأ في الجزائر هو التنقيب عنه بالقرب من السكان في عين صالح وليس في الصحراء الشاسعة، وأنه كان قرارًا مفاجئًا لم يتم تحضير الرأي العام له، ما فتح الباب للتأويلات بل وللشعوذة أيضًا، وأنه ثروةٌ وطنية ربانية مدفونة لا يُعقل أن نحرم أنفسنا منها، كما يجب رفع مستوى المعيشة به حتى لا نبقى على ما نحن فيه، وأنّ استخراجه لا يخيف الجزائريين بقدر ما يخيف مصدّريه، مستغربًا عدم تصديرنا له كعدم تصديرنا لأيّ شيء في الصناعة والفلاحة، رابطًا مصير الجزائر به، واعدًا بفتح النقاش الوطني حوله، وأننا قد نضطرّ إلى إنقاذ اقتصادنا به، وأنّ الذهاب إليه هو حتميةٌ بديلة عن المديونية الخارجية.

نعم، تملك الجزائر ثالث أكبر احتياطي في العالم من الغاز الصخري بعد الصّين والأرجنتين، باحتياطي يصل إلى 20 تريليون متر مكعَّب من الغاز الصخري و7.5 مليار برميل من النفط الصخري، وكما يُستخدم كمصدرٍ للطاقة يمكن استغلاله كسلاحٍ استراتيجي في الصراع الجيوسياسي، لكنّ الملفت أنّ كلا البلدين رفضا البدء في استغلاله لخطورة عملياته على البيئة والسكان والحيوان في مناطق وجوده، فالصين صاحبةُ أكبر احتياطي في العالم منه لجأت إلى توقيع عقدٍ ضخمٍ مع روسيا لاستيراد الغاز بـ450 مليار دولار وقرّرت التريُّث في استغلاله، وفرنسا رفضت استغلاله على أراضيها، فقد أصدر البرلمان الفرنسي سنة 2011م قانونا يمنع السلطات الفرنسية من استكشافه واستغلاله على كامل التراب الفرنسي، فكيف يمنعونه عندهم ويتهافتون عليه عندنا عبر شركة توتال الموجودة بصحرائنا؟

إبحث عن المستفيد من هذه العقود الطاقوية وستجد أنّ الشركات الفرنسية هي المستفيد الأول من حق الامتياز في التنقيب عن الغاز الصخري، وهو ما يُعدُّ اعتداءً على السيادة الوطنية، ونوعًا من الاستعمار الجديد، وإعادةً لاعتبار الحلم الفرنسي القديم في الصحراء، وقد تأخّر استقلالنا بسنتين بسببها. واستبعادًا لأيّ قرار مستعجل فهو يحتاج إلى المنطق العلمي وفتح الحوار الوطني حوله، بعيدًا عن ضرورات السياسة وأحكامها، وجشع الأنظمة وشركاتها، والحاجة الإستراتيجية إليه لا تبرّر خطورة الآثار المدمّرة له، ومن حقّنا أن نتساءل: لمن سيكون ثروةً استراتيجيّة ولمن سيكون كنزًا مسمومًا؟

لا تزال صيحاتُ الخبراء تصمّ آذاننا بالتحذير الشديد من الكارثة البيئية له، والتي تقترب من سيناريو التجارب النووية الفرنسية في رقان بأدرار سنة 1960م، والتي قد تصل إلى حدّ التطابق، إذ تسبّبت آثار تلك التفجيرات الإشعاعية في ولادة الكثير من الأطفال مشوّهين وفي انتشار الأمراض السرطانية في المنطقة إلى يومنا هذا، وهناك ضريبةً باهظة قد ندفعها من جرّاء التسرّع بالذهاب إليه، ومنها: 1- تلويث المياه الجوفية بسبب تقنيات الحفر والتصدّعات التي تسبِّبها الآلاتُ المستعمَلة فيه، ما يؤدّي إلى تسرّب المواد الكيميائية الملوِّثة للتربة ومصادر المياه، لاستعمال حوالي 750 عنصراً سامّة ومادة كيميائية مسبِّبة للسرطان، وهو ما يهدّد أكبر خزان مائي للمياه الجوفية في العالم بصحرائنا. 2- تلويث سطح الأرض بالمياه المرتجعة، إذ ينتُج عن عمليات التنقيب والاستخراج مياهُ صرفٍ صناعيةٍ ملوَّثةٍ بموادٍ كيميائية مذابة فيها، ما يجعلها غير قابلة لإعادة تدويرها ومعالجتها مرة أخرى.

3- الاستهلاك الواسع للمياه المستعمَلة: فحفرُ بئرٍ واحدة يتطلب 11 مليون متر مكعب من المياه، ما يكفي 8000 مواطن خلال سنة كاملة، فكيف بحفر الآلاف منها؟ أيهما أولى؟ الماء وقد قال تعالى: “.. وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حي.” (الأنبياء: 30)، أم هذا الكنز المسموم؟

4- الغازات السامّة المنبعثة عن عمليات الاستكشاف والاستخراج وخاصة غاز الميثان، وهو الغاز الأول المتسبّب في الاحتباس الحراري بعد غاز ثاني أكسيد الكربون. 5- النشاط الزلزالي المتزايد: نتيجة المساس بالصفائح الصخرية الكبرى التي يرتكز عليها سطح الأرض، وهو ما يؤدّي عند استخراجه إلى نشاطات بركانية كبيرة وخطيرة، إذ يُستخدم في استخراجه تقنياتٌ معقّدة، ما يجعل استكشافه واستخراجه صعبًا ومُكْلفا، إذ تصل مسافة الحفر فيه من 04 إلى 05 كلم تحت الأرض، وتجمَع هذه التقنية بين الحفر أفقيًّا وتكسير تلك الصخور هيدروليكيا، بواسطة ضخِّ كمياتٍ ضخمة من الماء والرمل وبعض المواد الكيميائية، تُضخُّ تحت ضغطٍ عالٍ جدًّا لتحرير الغاز من مكامن الصخور، وإحداث شقوقٍ في مسامّها، ويلزم لاستخراجه وتلبية الحاجات منه حفرُ الآلاف من الآبار عموديا. وأمام هذه المخاطر المرعبة من الناحية التقنية، فإنه من حقّنا كذلك أن نتساءل عن هذه التكلفة الخطيرة من الناحية السياسية، ومن ذلك:

 1- ماذا عن البدائل الطاقوية؟ ولماذا تدمِن السلطة على ثقافة الرّيع والارتباط المزمن بالمحروقات والعجز الدائم عن استثمار عائدات المحروقات في الطاقات المتجدّدة والاقتصاديات البديلة، وتصرّ على هذه الحلول المثيرة للجدل؟ بل إنّ تحسين سياسة إنتاج واستخراج الطاقات التقليدية الحالية من البترول والغاز الطبيعي – والتي لم تقل كلمتها الأخيرة بعد- والاستثمار في مواردها من أجل بناء اقتصادٍ منتجٍ حقيقيٍّ ومتنوّع كفيلٌ بعدم الذهاب إلى جحيم المستقبل المجهول للغاز الصخري. والطاقات المتجدّدة، مثل الطاقة الشمسية التي تتوفر عليها الجزائر في جنوبنا الكبير، والتي أرادت ألمانيا لوحدها استثمار 450 مليار أورو فيها، والطاقة النووية السلمية التي تكفي 22 مليار دولار فقط لإنشاء محطةٍ جديدة لها، والطاقة المائية وطاقة الرياح.. وغيرها هي مصادرٌ للطاقة الآمنة والصديقة للإنسان وللبيئة، كما أنّ عجز السلطة عن الذهاب إلى الاقتصاديات البديلة مثل الصناعة والفلاحة والسياحة والخدمات يدلّ على الفشل في التنمية ويزيد في حجم الفساد المصاحب للوفرة المالية والريع الطاقوي.

2- أيُّ وجهٍ للمقارنة مع أمريكا؟ فهي المتربّعة على عرش تكنولوجياته والمكتفيةٌ ذاتيّا منها والتي تبحث عن الاستقلال الطاقوي به، والتي أطلقت شرارة ثورته سنة 2008م وجدت فيه من المخاطر 25 مرة أكثر مما كانت تتوقّعه، وأنه لا يساهم إلاّ بأقل من 1% من الناتج الإجمالي المحلي، وأنه لا يوظّف إلا نحو 800 ألف من الأمريكيين من أصل 115 مليون عامل، بل أثبتت التقارير العلمية في الشهور الماضية أنّ النفط الصخري سيقود الشركات الأمريكية إلى الإفلاس بسبب التدفق النقدي السّلبي لها، ما أدى إلى تراكم ديونها وتسريح عمالها وتخفيض عملياتها، وأنّ التكلفة الباهظة له لا تتناسب مع الطاقة الإنتاجية منه.

3- ما هي ميزة الجدوى المالية والاقتصادية من الغاز الصخري الآن: لا شكّ أنّ الإكراهات الجيولوجية وطبيعة ملكية الأرض في الجزائر المختلفة عن أمريكا، وخصائص الصخرة الصلبة عندنا والتي ليست لها نفس الخصائص المعدنية لنجاح التكسير الهيدروليكي، وحجم التكلفة المالية للتكنولوجيات المستورَدة والمستعمَلة، وما يتطلبه من استيراد الآلاف من الأجهزة بشكل غير منقطع لإمداد الحفّارين (بمعدل 100 آلة مقابل آلة واحدة للغاز العادي)، وغياب الموارد البشرية المؤهلة لاستعمال هذه التكنولوجيات الجديدة، وحجم المخاطر البيئية، وحدّة المنافسة الدولية، واتجاه العالم إلى الطاقات البديلة، وارتفاع الاستهلاك المحلي، تكلفة إنتاجه الأكبر بكثير من قيمته، ناهيك عن إمكانية تصديره يجعل المراهنةَ على الغاز الصخري والذهاب إليه في هذه المرحلة من الأوهام السياسية التي لا تتناسب مع الجدوى الاقتصادية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • جلال

    اعتقد إننا لا زلنا نعيش في كنف فرنسا ولم نتحرر لا ثقافيا ولا سياسيا منها (فكيف يمنعونه عندهم ويتهافتون عليه عندنا عبر شركة توتال الموجودة بصحرائنا؟)والا لماذا نركز على الغاز الصخري وعندنا كثير من البدائل المتوفرة وقليلة التكلفة بالنسبة الى هذا المورد فكيف يعقل أن نرفع معيشتنا به واضراره أكبر من نفعه

  • Kada

    Est tu an expert en gaz?