الرأي

الغرب وفوبيا “الخلافة الإسلامية الخامسة”

سلطان بركاني
  • 7014
  • 46

التّصريح الذي أدلى به الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” مؤخرا، وأكّد في ثناياه أنّه “لن يسمح بأن يقوم جهاديون بإنشاء دولة خلافة إسلامية على امتداد أراضي سوريا والعراق”، لم يأت من فراغ، وإنّما جاء رجعًا لصدى حالة الاستنفار المعلنة بين قادة العالم الغربي في السنوات الأخيرة، تحذيرا من قيام الخلافة الإسلامية الخامسة، التي أصبح غالبية المسلمين يتوقون إليها وينتظرون عودتها استنادا إلى نصوص شرعية تبشّر بنزولها أرض الشّام.

قبل أوباما كان الرئيس الأمريكي السابق “جورج بوش” قد حذّر في أكثر من مناسبة بعد احتلال العراق من تنامي قوة وشعبية الجماعات الإسلامية الداعية إلى استعادة الخلافة الإسلامية، وصرّح في 06  / 10 / 2005 قائلا: “إنّه عند سيطرة الأصوليين على دولة واحدة سيستقطب هذا جموع المسلمين، ما يمكّنهم من الإطاحة بجميع الأنظمة في المنطقة، وإقامة إمبراطورية أصولية إسلامية من إسبانيا إلى إندونيسيا”.

وفي السياق نفسه اختار رئيس الوزراء البريطاني السابق “توني بلير” أن يكون أكثر وضوحا حينما تحدّث أمام المؤتمر العام لحزب العمّال في 16/07/2005، قائلا: “إنّنا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة إسرائيل، وإلى إخراج الغرب من العالم الإسلاميّ، وإلى إقامة دولة إسلاميّة واحدة تحكّم الشريعة في العالم الإسلاميّ، عن طريق إقامة الخلافة لكلّ الأمّة الإسلاميّة”. وحذّر من خروج القوات الأمريكية والبريطانية من العراق يومها مؤكّدا أنّ “الخروج من العراق الآن سيؤدّي إلى ظهور الخلافة في الشّرق الأوسط”.

وعلى خطى بوش وبلير سار الرئيس الفرنسي السابق “نيكولا ساركوزي” وعدد من القيادات السياسية والحزبية والعسكرية في أوروبا على مدار السنوات التي أعقبت أحداث الـ11 سبتمبر 2001، في تناغم يوحي بأنّ الأمر لم يعد مجرّد هواجس خامرت هذا الزّعيم أو ذاك.

دراسات تحذّر من عودة الخلافة في غضون 2020

هذه التصريحات التي أطلقها عدد من قادة الغرب يحذّرون فيها من عودة الخلافة الإسلاميّة، لم تكن بناءً على هواجس انتابتهم فجأة، وإنّما كانت بناءً على دراسات بحثية استشرافية، لعلّ من أبرزها التقرير الصادر عام 2005 عن مؤسسة “روبير لافون” للنشر الباريسية بعنوان “كيف ترى المخابرات الأميركية العالم عام 2020؟”، نقل توقّع عدد من الخبراء الأمريكان، على رأسهم عالم الاجتماع وكبير خبراء استشراف المستقبل ألفين توفلر” صاحب كتاب “صدمة المستقبل”، إضافة إلى “تيد غوردن” كبير خبراء مشروع “ميلينيوم بروجكت” الذي أنجزته منظمة الأمم المتحدة، ضمن كوكبة من الباحثين الأمريكان الذين عملوا لمدة عامين لفائدة الوكالة المركزية للمخابرات بواشنطن، وخرجوا بتقرير خطير يرسم ملامح العالم بعد 15 سنة من يومها، من خلال المؤشرات التي بين أيديهم، ووصلوا إلى نتيجة مفادها أنّ الإسلام السياسي سيعرف على امتداد السّنوات القادمة وحتى عام 2020 انتشارا واسعا على الصعيد العالمي، وتوقّعوا أن ترتبط الحركات الإسلامية العرقية والوطنية ببعضها، وتسعى إلى تأسيس سلطة تتجاوز الحدود القومية.

الغرب يختار المواجهة بدل الاحتواء

لقد اختارت أمريكا وحلفاؤها في المعسكر الغربيّ الدّخول في سباق مع الزّمن واستخدام كلّ الوسائل الممكنة للحيلولة دون عودة الخلافة الإسلاميّة، ولو أدّى بها ذلك إلى قيادة تحالف دولي غربي عربيّ إيرانيّ، يلتئم فيه فرقاء الأمس للحيلولة دون تَمكّن الجماعات “الأصولية” ووصولها إلى امتلاك أسلحة متطوّرة تمكّنها من تغيير الأنظمة في المنطقة.

وبهذا تكون أمريكا قد أدارت ظهرها لنصائح عدد من الخبراء الذين نصحوا البيت الأبيض بضرورة القبول بالأمر الواقع ومحاولة بحث سبل التعايش مع الخلافة الإسلامية التي لا مناص من عودتها، ومن هؤلاء الكاتب الأمريكي البارز في شؤون الفكر والدين “جاي تولسون” الذي يرى أنّ الغرب قد أساء فهم فكرة الخلافة واعتبرها مفهوما غامضا مهددا له، في حين أنّها عميقة الجذور في الذّاكرة الثقافية للعالم الإسلاميّ، أمّا الكاتب والمحلّل السياسي الأمريكي المشهور “جون شيا” فقد وجّه رسالة إلى الرئيس الأمريكي أوباما بتاريخ 11/01/2010م يطالبه بفتح مصالحة مع الخلافة الخامسة التي لن تستطيع القوات الأمريكية الوقوف في وجهها أو مجابهتها. مؤكّدا أنّ “الحقيقة الجليَّة هي أنَّه لا يستطيع أي جيش في العالم، ولا أيّ قوَّة عسكريَّة -مهما بلغت درجة تسليحها- أن تهزم فكرة عقائدية، يجب أن نقرَّ بأنَّنا لا نستطيع أن نحرق قادة هذه الفِكْرة في كلّ بلاد الشَّرق الأوسط، ولا أن نحرق كتُبَها، أو ننشر أسرارها؛ ذلك لأنَّ هناك إجماعًا بين المسلمين على هذه الفكرة. إنَّ الشرق الأوسط يواجه اليوم القوَّة الاقتصاديَّة الموحَّدة للدُّول الأوربيَّة، هذا صحيح، لكن عليْنا أن نعرِف أنَّه في الغد سيواجه الغرب القوَّة الموحَّدة لدولة الخلافة الخامسة”.

وذهب مستشار الأمن القومي الأمريكي “محمد الإبياري” (مصريّ الأصل) بعيدا، حينما حذّر أمريكا من مواجهة قيام الخلافة الإسلامية، مؤكّدا أنّ الخيار الوحيد للولايات المتحدة هو احتواؤها لجعلها كيانا منظّما مثل الاتحاد الأوروبي.

قيام الخلافة قدر لا مردّ له

في نصيحته لرئيس وزراء العدوّ الصهيوني “مناحيم بيغين” عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر: “إنّي أسلِّمك أمَّةً نائمة، والمشكلة أنّها تنام ولا تموت، فاستثمر فترة نومها ما استطعت، لأنّها إذا ما استيقظت فإنّها تعيد في سنوات قليلة ما ضاع منها في قرون”.

لقد استطاع اليهود استثمار السّبات الذي عاشته أمّة الإسلام على مدار عقود من الزّمان، وبسطوا سيطرتهم على أرض فلسطين، واستنفروا كثيرا من قادة العالم الغربي وقادة دول الطوق العربي ليجعلوهم أحرص على أمن ومصلحة إسرائيل، منهم على أمن ومصلحة دولهم وشعوبهم، ولكنّهم باتوا الآن أكثر من أيّ وقت مضى يخشون ما حذّرهم منه كيسنجر وهم يرون المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يعلنون تململهم من واقع الذل والمهانة الذي عاشته أمة الإسلام على مدار ما يقرب من قرن من الزمان، ويتُوقون إلى استعادة أمجادهم التي كانت على عهد النبوّة وزمن الخلافة الراشدة، ثمّ بعدها في زمن الخلافة الأموية والخلافة العباسية، وصولا إلى الخلافة العثمانية التي استمرّت ستّة قرون من الزّمن، ليتمّ إسقاطها سنة 1924.

استطلاعات غربية كثيرة أجريت في السّنوات الأخيرة، أكّدت أنّ أكثر من 70 % من المسلمين يتلهّفون لاستعادة الخلافة الإسلاميّة، التي يرى كثير منهم أنّها أصبحت قاب قوسين أو أدنى؛ ولأجل هذا فالعالم الغربيّ مدعوّ لمراجعة حساباته في هذا الموضوع، وقد آن الأوان أن يصغي للأصوات العاقلة، ويضرب صفحا عن الأصوات المتلعثمة التي تستدعيه ليخوض حربا بالوكالة دفاعا عن عروش رُدّ أصحابها إلى أرذل العمر لكي لا يعلموا من بعد علم شيئا.

لقد حاول فرعون أن يَحول دون ظهور النبيّ المخلّص، وأمر بقتل أبناء الذين آمنوا، ولكنّ الله أخزاه وأذلّه حين جعل موسى ـ عليه السّلام ـ ينشأ في بيته وفي حجر زوجته، وجعل نهايته على يده، ومنّ على الذين استضعفوا وأورثهم ملك فرعون وقصوره وكنوزه.

مقالات ذات صلة