الرأي

الفرنسية الفصحى والعربية العامية

عمار يزلي
  • 2299
  • 20
ح.م

عندما قال يوما الطاهر وطار بأننا كنا ولا زلنا نسمي الكلاب بأسماء فرنسية، فإنه كان يتحدث بسخرية عمن يتحدثون مع أبنائهم بالفرنسية في البيت. قال كلمته المعروفة: “فقط الكلاب من نتحدَّث معها بالفرنسية في بيوتنا”. كان وطار وقتها، ينبِّه إلى مشكل ثقافي مستعصي في بلادنا. كان يتحدث ليس عن الفرنكونفونيين بل عن الفرنكوفيليين، هم أنفسهم من حاولوا خلال حكم العصابة تحويل المدرسة عن مشروعها الوطني التنويري وربطها بفرنسا من منطلق مدرسة الأنديجان.

كانت الحجّة مع نظام العصابة هي ضعف المستوى بسبب التعريب، وكأن المستوى كله في الفرنسية! فمن يعرف أن مستوى التعليم في فرنسا منحط إلى درجة لا تطاق قياسا بالتعليم في ألمانيا وبريطانيا ناهيك عن أمريكا واليابان وبلدان أوربية أخرى صغيرة مثل الدانمرك وهولندا والسويد والنمسا وسويسرا؟ مع ذلك، نحن لا نرى سوى النموذج الفرنسي.

كل شيء يقاس عندنا بمقاس تركة الاستعمار اللغوية رغم أنها لغة هالكة، ولو خُيِّر الناس والتلاميذ بكل حرية بين تعلم الإنجليزية مثلا والفرنسية لاختاروا الإنجليزية، وقد حاولوا مرة أن يخضعوا هذا التوجُّه للتجريب، فجوبه هذا الاستفتاء الاختياري بمناورات فرنكوفونية رهيبة في المدارس تحذر من لم يختر الفرنسية بعواقب قلة العمل والرسوب وقلة المدارس والمعلمين، فاختار الكثير “الوالفة خير من التالفة”! وهذا هو سر وجود لغة أقلية مهيمنة على أغلبية مُهانة ومبعَدة ومُهمَّشة حتى في هويتها ورغبتها في اختيار اسمها ولقبها ودينها وانتمائها!

هذا التوجُّه، يراد له اليوم أن يكرس في المنظومة التربوية “إصلاحات” لجنة بن زاغو التي أزاغت المنظومة التربوية عن خطها الحضاري الذي كانت ملامحه قد بدأت ترتسم مع الوزير علي بن محمد ومع الرئيس اليامين زروال الذي يعدُّ ثاني شاوي بعد بومدين يكرس جهدا للتعريب ويدافع عنه بكل ما أوتي من قوة ويقرّر في ديسمبر 1996 رفع التجميد عن قانون تعميمه، قبل أن يأتي من أتى بعده على الأخضر واليابس في العربية والتعليم والتعريب.. كان ذلك رغبة في استمالة فرنسا التي لن ترضى عن أحدٍ منا إلا إذا اتَّبع ملتها، ومن اتبع ملة فرنسا فمصيره معروف: الهوان والخسران المبين.. لكن الكثير من هؤلاء القلة لا يأبهون ولا يعبئون بمصير أمة، بل يحاولون أن يقامروا بهذا المصير طمعا في تحقيق المشروع الذي فشل فيه أسلافهم المنعمون!

نمتُ لأجد نفسي أحضُر خطة جهنمية في ليلة ليلاء، من أجل إلحاق المدرسة الجزائرية بذيل مؤخرة المدرسة الفرنسية: غُيِّرت المناهج: دراسة التاريخ الأوروبي والفرنسي أساسا: حملة نابليون سمِّيناها “فتح نابليون”، تمجيد دور شارلمان في التعليم وبناء أولى المدارس، محونا كل المقررات السابقة، وأدخلنا برامج هوية جديدة: تعليم الإسلام بالفرنسية، دروس ضد الإرهاب الديني الإسلامي ونشر تعاليم التسامح في العلمانية والمسيحية والبوذية وحتى اليهودية من خلال دروس في ذمّ معاداة السامية والمحرقة وكيف أن اليهود كانوا دوما ضحايا منذ الرومان وحتى الحكم الإسلامي.. كما قررنا تعليم الفرنسية للأطفال في لاكريش وفي الكتاتيب عوض حفظ القرآن.. وكل الامتحانات والمسابقات الكتابية والشفوية لا تُجرى إلا بلغة واحدة هي الفرنسية.. التوظيف يكون عل أساس نقطة اللغة الفرنسية الشفهية والكتابية.. يُمنع التحجُّب في الأطوار الابتدائية والمتوسطة والثانوية تمهيدا لمنع الحجاب في الجامعة!

والآن أنا أشكُّ في أن هذا المشروع قد ينجح مع هؤلاء الأعراب المتخلفين والمسلمين الأجلاف الذين يفضلون تعلُّم التربية الإسلامية والعربية على تعلم لغة فلسفة فولتير وموليير..

مقالات ذات صلة