-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفساد ليس اختلاسات مالية فقط !

الفساد ليس اختلاسات مالية فقط !
أرشيف

لا جدال في أن استرجاع جزء من الأموال، التي نُهبت من أفراد العصابة التي لا يعلم غير الله عدد أفرادها أو “شعبها”، والأموال “القارونية” التي نهبتها، أمر ممكن كما حدث في دول عديدة. ولكن ما لا يمكن استرجاعه هو السنوات التي ضاعت من عمر الجزائريين، وكانت جميعها في فترة شباب البلد الناشئ، الذي كان على نفس الخط مع بلاد كثيرة مثل تركيا وإسبانيا والبرتغال وإندونيسيا والبرازيل، وتفوّق عليها بثرواته الباطنية، ووجوده في موقع عالمي استراتيجي، فانطلقوا جميعا وبقيت الجزائر جاثمة في مكانها، حتى لا نقول سارت إلى الخلف.

أكبر جريمة وقعت في البلاد، ليست في فساد رئيسي الحكومة عبد المالك سلال أو أحمد أويحيى، ولا في تورّط الوزيرين عمارة بن يونس وعمار غول في قضايا نهب المال العام، ولا في تحوّل المغمور علي حداد إلى أحد أغنى “كائنات” العالم، ولا في تحوّل “مُعارِضة” تروتسكية شيوعية، إلى ثرية رأسمالية، وإنما في منح هؤلاء وغيرهم مناصب خطيرة وقيادة مركب وسط أمواج عاتية.

فمن غير المعقول أن يبقى أحمد أويحيى من زمن هواري بومدين إلى زمن عبد العزيز بوتفليقة وهو قريب من القرار بين إطار ومستشار في وزارة خارجية أحمد طالب الإبراهيمي، إلى وزير أول في رئاسة عبد العزيز بوتفليقة، ثم نكتشف أن الرجل أكل ما في القصعة، والقصعة بأكملها، ولا يحاسب هؤلاء الذين همّشوا الكفاءات والأدمغة وضيعوا “عُمر” الجزائريين وأحلامهم بهذا “النوع” من البشر، الذين لم يُضبطوا أبدا في حالة عمل !

لم تعن كلمة الفاسد أبدا اختلاس الأموال، ففي معناها اللغوي عدم احترام الأعراف والقوانين والانحلال، وفي معناها القرآني لها بُعد شامل في قوله تعالى: “ولا تعثوا في الأرض مفسدين”، ولا يمكن حصرها في “ماديتها” فقط، خاصة في حالة الجزائر حيث كان الفساد من خلال تحويل الجمهورية إلى مملكة فساد، وكان نهب المال العام جزءا صغيرا من فساد شامل، طال كل مناحي الحياة، وأحبط الشباب وأفقدهم ثقتهم بأنفسهم، وجعل أعزة الشعب أذلة.

ولو كان الأمر في لصوص نهبوا المال العام، وكان قطع أيديهم جزاء بما كسبوا، لهان الأمر، ولكن ما ضيّعوا من قيم وما زرعوا من فتن وما أحبطوا من عزم وإرادة وما دفنوا من عزة وكرامة، هو الذي لا يمكن لكل المحاكمات والمتابعات أن تردّه للجزائريين، الذين علموا برقم ثمانمائة مليار دولار الذي تبخّر في عقدين من الزمن، ولن يتمكنوا من تحديد مدى الخسائر المعنوية الجسيمة التي جعلت الجزائر تغرق في الآفات بكل أنواعها وتفقد خيرة أبنائها لصالح دول أخرى في القارات الخمس، ويضيع أبناءها بين منتحر ومعرّض نفسه لخطر الغرق من أجل الضياع في بلاد العالم.

جميل محاكمة أفراد العصابة على كثرتهم واسترجاع – إن أمكن – ما نهبوه على مدار سنوات، لكن الأجمل أن نلتفت إلى الفساد الذي سيّروا به البلاد، فنرمّم ما يمكن ترميمه، وفي كل الأحوال الحرص على ألا نرتكب ذات الأخطاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!