-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفقر الجميل

الفقر الجميل

كلمني أحد الأصدقاء بعد أن فرغ من قراءة كتابي”حلم والدتي” قال: لقد ذكرتني بعبارة قالها أحد الحكماء عندما زار بيتا فقيرا ووجد أصحابه في حالة سكينة واطمئنان ورضا عن الحال: حقيقة الفقر يكون أحيانا جميلا.

 نعم لقد عشنا ونحن أطفال غداة الاستقلال الفقر، ولكنه كان فقرا جميلا، لم نكن نعرف الكهرباء ولا حنفيات المياه ولا مساكن الاسمنت والبلاط، ولا الطبيب أو الدواء ولا الخبز الأبيض أو الألبسة الزاهية والأحذية اللينة، فما بالك  بالسيارات أو المذياع أو التلفزيون الذي لم يبلغ مسامعنا بعد، ومع ذلك لم نكن نشعر بما يشعر به فقير اليوم من بؤس وتعاسة بل وأحيانا حتى الأغنياء ممن ملؤوا الجيوب والبطون…

ذلك لأن فقرنا كان بحق فقرا جميلا لأنه لم يكن مقرونا بظلم ولا بجشع وطمع أو سخط على حال أو قلة تضامن مع القريب والبعيد، بل كان فقرا مقرونا بالقناعة ورضا النفس، والتضامن وحب الآخر بما في ذلك الغني الجار أو البعيد..

كان ذلك لأن الغني كان في الغالب غنيا بجهده وعمله، لا بظلمه وانتهاكه القوانين، تاجرا أو فلاحا أو صاحب حرفة أو معمل، والفقير كان يرى إمكانية أن يحقق مثله إذا ما كد واجتهد… كانت قواعد اللعبة معروفة، وكان التضامن سائدا، فساد الشعور بالرضا، وامتنع الناس عن الكراهية والشك في ثروات الآخرين … خلافا لليوم، حيث كاد الفقر أن يصبح كفرا، لأنه أصبح مقرونا بالظلم الاجتماعي، وبانتهاك القوانين، واستغلال النفوذ، وبكل شيء إلا العمل والجهد،..لذا فليس علينا اليوم أن نلعن الفقر لأنه فقرا أو لأننا فقراء، أو قليلي الحيلة، إنما أن نلعن ظلم القوانين والقرارات والإدارات التي كادت تقول أرزق من أشاء وأُفقر من أشاء بغير حساب.. وأن نعمل لكي يصبح الغني غنيا بحق، وأن يشعر الفقير حتى وإن كان دون قوت يومه بأنه يعيش الفقر الجميل.

ألم يفضل شبابنا العيش فقراء في أوروبا، بدون مورد ولا زاد بعيدا عن الأهل والأحباب، على أن يعيشوا فقراء في أوطانهم مع أهلهم وذويهم؟ لسان حالهم يقول إذا كنا سنعيش الفقر، فلنعشه فقرا جميلا… برضا النفس، ومن غير شعور بظلم القوانين أو غلبة النساء والرجال، وها هو لسان حالنا اليوم يقول: إذا كان ولا بد من أن نعود لنعيش فقراء، فدعونا نعيش مرة أخرى فقرنا الجميل… المشكلة ليست أبدا في الفقر، إنما في أن يتحوّل ـ كما اليوم ـ إلى مشكلة اجتماعية تهدد النظام الاجتماعي وتمنع الناس من أن يروه جميلا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • رياض

    أخي الفاضل كل ما ذكرته في هذا المقال فيه عبرة لكن لا علاقة لها بمعنى الفقر الحقيقي .. لأنه إذا كان الإنسان يعيش عيشة راضية في حياته الدنيوية برغم كل الصعاب التي تواجهه .. فهذا الإنسان لا نقول عنه فقير بل هو غني بمعنى الكلمة .. لماذا غني لأنه أستغنى عن أطماعه بقناعته العفوية في حياته الدنيوية .. أما الفقير الحقيقي هو من يفتقر إلى أبسط شروط الحياة دون أن يكون الطمع هو السبب في هذا الإفتقار .. و هنا يبدء المشكل في غياب العدل و القسط بالقسطاس .

  • حسام أبو فارس

    السلام عليكم، كلامك جميل يا أستاذي الفاضل، وأجمل منه قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ" [فاطر:15-17].
    لا تنقصنا القناعة ولا ينقصنا الصبر ولا ينقصنا العمل والجد في العمل ولا ينقصنا العلم والشهادات ولا تنقصنا الكفاءة ، وإنما تنقصنا العدالة ، والفرصة ، وإذا لم نجد هذا فسنتحطم
    الشباب لا يحتاج شيئا من الدولة ، يحتاج فقط للفرصة ليبدع

  • بدون اسم

    - الخلاصة: ترجع تعيش الفقر الجميل نتاعك هذا بالطبع مع الذين يشاركونك الفكرة.

    و هنني روحك. لاني أعتبر الفكرة من أصلها غير واضحة و ذات هدف.

  • بدون اسم

    إن أفظع فقر يصاب به الأفراد و المجتمعات هو فقر الأفكار؟ إن ألمانيا تحطمت في حربين عالميتين لكنها أعادت بناء حضارتها بما تملك من رصيد في أفكار أبنائها و ليس بما تملك من رصيد في بنوكها؟ يجب زرع الأفكار الحية في هذا الانسان المتشبع بالفكر الميت و القاتل في نفس الوقت؟ يجب زرع الفكر الحي في مجتمع فقد كل مبررات الوجود؟ في مجتمع يتكلم كثيرا و لا يعمل إلا قليلا؟ مجتمع لا هم له سوى مراقبة الآخرين؟ هذا فعل كذا و ذاك قال كذا؟ مجتمعنا يتطور عندما يبتعد عن التفاهات و الكلام الفارغ الذي يؤدي إلى العدم...

  • قادة ولد لمين

    الفقرالجميل لن نعيشه مرةاخرى يا دكتور. تدري لماا؟لانناابتعدنا عن الكنز العظيم الذي اذا حاب الله به عبده فهو يعيش فقرا جميلا.اتدري ماهو الكنز يااستاذ؟هو القناعة والرضا بما اعطانا الله من رزق الحلال.الحقيقةمؤلمةوممكن انهالاتعجب الكثير من الناس لكن ما اوصلنا الى مانحن فيه اين لانيعش لافقرا ولاغناجميلا،هو سياسةالاتكال والربح السريع ولا يهم ان كان من حلال اومن حرام.الكل ينتظربان يعطى له السكن ومنصب الشغل والا فهومهضوم الحق حتى ولولم يقوم بواجبه هو العمل من اجل كسب قوت الحلال و القيام بواجبه كاي انسان

  • الجزائرية

    الفقر هو الفقر ،لم تكن في ذلك الوقت مغريات و العيون كانت مغمضة و الشيئ المفقود اليوم هو القناعة و القيم و التكافل الإجتماعي فقد جعلت الأنانية أنفس الجميع تتوق لما في يد الآخر نعم إن الحسد بات بين الأخ و أخيه بل لاحظ فقط في الوظيفة هناك من لا يملك مستواك و شهاداتك يريد راتبك بل و يتفطر قلبه حزنا من نجاحك و عندما تشتري سيارة من مالك الحلال يتمنى اقتناءها و قد يتجنبك ليحرمك من كلمة مبروك اليوم تساوى العامل البسيط ذو الدخل المحدود في طموحه المادي مع مديره هذا ما تغير اليوم و نحن في نعمة الإستقلال