-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

القدس في القلب ولكن – 2

التهامي مجوري
  • 3477
  • 0
القدس في القلب ولكن – 2

لا شك ان المرء اليوم يتساءل عن كيفية عودة المسلمين إلى المحافظة على القدس في هذا الجو من التخاذل العربي، الإسلامي، وقوة الفعل الغربي اليهودي، وعن تصور الأمر من الناحية العملية.

حقيقة إن الأمر صعب ولكنه ليس مستحيلا، وأول ما يمكن التعويل عليه هو تحريك آليات الاهتمام الشعبي من جديد، إلى أن تعود القضية لتتصدر الأحداث، وذلك في مجالات اختفت منذ عقود، وهي مجالات ثقافية وإعلامية وفنية، وهي مجالات تمثل المادة الخام للإبداع السياسي.

إن ضعف الإنتاج السياسي في المقاومة الفلسطينية في تقديري هو نتيجة طبيعية لضعف الإنتاج الثقافي الأدبي الفني، حيث لم يعد يسمع الناس شعرا يتغنى بفلسطين أو غناء ثوريا يعود بالقضية إلى إلهاب المشاعر وإيقاد نيران المعارك، إضافة إلى الدراسات الفكرية التي تغوص في عمق القضية لتطرحها من جديد كقضية احتلال اولا وأخيرا، قبل الكلام عن أي شيء حدث بعد سنة 1948؛ لأن من العائلات الفلسطينية المهجرة من لا يزال بيده مفتاح داره التي أخرج منها، ولا يزال يظهره في كل مناسبة طمعا في العودة. 

منذ سنوات قرأت دراستين هامتين تبشران بسقوط دولة إسرائيل، وهما للأستاذ أبو القاسم حاج حمد السوداني، والدكتور عبد الوهاب المسيري المصري رحمهما الله، وهما من هما في مجالي الفكر والإنتاج الفلسفي الجاد، وهما أيضا ليسا من “ماضغي الكلام” وإنما يقولان كلاما مدروسا في إطار تحولات دولية وخبرة بالإنتاج المعرفي الذي يحكم المنظومة الفكرية العالمية اليوم، وبكل أسف لم أقرأ عن هاتين الدراستين من التقييم والدراسة والتحليل إلا القليل الذي لا يسمح بنقل تلك الأفكار إلى الجماهير، رغم أن حركة النضال الإسلامي، العربي والفلسطيني، كان يمكن ان تقوم بعمل نقدي يساعد على توسيع مساحات الأمل، بحيث تعيد في الأمة التعلق بقضاياها العادلة، كما تعلقت بها الحركات الاستقلالية إبان الفترة الاستعمارية، وتعيد التفكير بالصيغة المثلى التي قضت عليها حركات التطبيع ومفاوضات السلام الفاشلة، وما يقال في حركة الفكر ونقده، يقال أيضا عن الإنتاج الأدبي، قصة ورواية وشعرا، إذ منذ استبعاد الفلسطينيين من لبنان واختفاء الصوت التحرري باختفاء منظمة التحرير المقاوِمة، وابتعاد محمود درويش وسميح قاسم وغيرهما من الساحة الأدبية، لا نكاد نسمع عن أديب أنتج شيئا ذا قيمة حول القضية الفلسطينية.. إلا ما كان في هذه السنوات القليلة الأخيرة من الشاعر الشاب مروان البرغوثي وقليل من أمثاله، هذا بالنسبة لعلاقة هذا الإنتاج بقضية السياسية والواقع الجماهيري، اما مطلق الإنتاج لم ينقطع.

وما قيل في الثقافة والإنتاج الفكري والأدبي، يقال أيضا في الإعلام، حيث لم يعد هناك إعلام مقاوم، وإنما هناك إنتاج إعلامي في إطار تسوية وفقا لقرار 242 وغيره من مبادرات الاستسلام للأمر الواقع، سواء المبادرات العربية أو الأمريكية أو الأوروبية، وهذا الإعلام لا يرقى إلى أدنى مستويات الحفاظ على الحق المسلوب، وهو أن كل فلسطين بلد محتل، وليس الأرض المحتلة سنة 1967 فحسب. وإعلام كهذا لا يمكن ان يحقق شيئا لشعب مستعمر، وإنما يكرس مفاهيم كانت إلى عهد قريب من الممنوعات، في العرف العربي والإسلامي، فيقع التطبيع النفسي للشعوب الإسلامية مثلما توصل العالم إلى تدجين الأنظمة العربية ومنهم منظمة التحرير الفلسطينية، فأصبحت القضية عبارة عن مفاوضات في إطار واقع استعماري تحول إلى واقع معترف به دوليا كدولة ناشئة صاحبة حق، وشعب عافه الزمن فسلبت منه دولته، يساوم على قطعة أرض لتكون له بيتا يسكنه بالإيجار.

وكذلك الجانب الفني وهو الجانب الألصق بالجماهير.. فمنذ 1982 لم نسمع عن أغنية أنتجت تمجد المقاومة وتحيي القضية الفلسطينية في قلوب الجماهير العربية والإسلامية، إلا النزر اليسير، ولا نشيد أُلِّف يحاكي المأساة وانعكاساتها؟ ولا مهرجان هاما عقد انتصارا للقضية الفلسطينية.

إن الملاحظ في القضية الفلسطينية عموما وفي موضوع الإنتاج الفني المتعلق بها خصوصا، أن العد التنازلي بدأ مع زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس سنة 1978، ثم سُرِّعت وتيرته سنة 1982 إلى غاية 1992، حيث تم التخلي كلية عن خط المقاومة، ليترك الأمر للفلسطينيين وحدهم، يواجهون مصيرهم في قضية ظاهرها مسألة وطنية، وباطنها وحقيقتها قضية حضارية لها بعدها الكوني، تحت شعار كبير وهو أن القضية الآن بيد أصحابها، “وغيرهم من الناس ليسوا ملكيين أكثر من الملك”. تحت هذا المسمى المغرض تم تحييد العرب والمسلمين، حماية للإحتلال من أي فعل مقاوم، ومن أي جهة كان.

إن إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وافتكاكها من أيد المتخاذلين تبدأ من هنا، من إعادتها إلى الساحة على المستوى الثقافي الإعلامي الفني الشعبي، ومنه يكون الفعل السياسي الجاد والفعال، بقطف الثمار وتحقيق المكاسب؛ لأن الفعل الثقافي، الإعلامي، الفني، هو الذي يقوم بالدراسة والتحليل لإدراك الحقائق، ثم ينقل القضية من الكتب والمقالات والتقارير الإخبارية والأشرطة الوثائقية والمسارح والأفلام والأغاني، إلى الجماهير فتلهب مشاعرها وتحولها قنابل موقوتة قابلة للإنفجار في وجه العدو في أية لحظة، لأن الشعوب والجماهير العريضة هي التي تمثل الحماية الحقيقية لمشاريع الأمة، والسياسي الذي لا يثق في شعبه وجماهيره لا خير فيه.

في هذا الجو العربي الإسلامي المتخاذل، يمكن ان نلتمس بعض العذر للرسميين الفلسطينيين الذي أرغموا على الاعتراف بالأمر الواقع، يوم تخلى عنهم العرب والمسلمون، وطاردوهم وهجروهم وقاتلوهم وابتزوهم وتاجروا بقضيتهم ولا يزالون، ولكن لا يعذر غيرهم من المسؤولين العرب والمسلمين، في تخليهم عن القضية كاحتلال تجب إزالته، مهما كانت المبررات؛ بل يلامون عندما يستغلون القضية لخدمة قضاياهم الوطنية على حساب القضية، فيسوقون ما لا يفعلون كذبا وبهتانا، كما لا يعذر الفلسطينيون المفاوضون الذين حوَّلوا فعل المضطر إلى قاعدة مقررة ينطلقون منها في الوصول إلى حلول مع العدو الصهيوني. فعار على العرب والمسلمين والفلسطينيين، أن يكون كارلوس وغالاوي أشرف منهم وأصدق في الإيمان بقضيتهم الأم والانتصار إليها، كما لو كانت قضيتهم.

اما الشعوب العربية التي ربما يعتقد البعض أنها ماتت، فهي تقوم بالحدود الدنيا الواجبة، في انتظار تخلصها من هذه الخشب المسندة الحامية لدولة إسرائيل، سواء من الذين يحمونها بطريق مباشرة أو غير مباشرة وما أكثرهم في العالم الإسلامي.

لا شك ان المعطيات الدولية اليوم لا تساعد على إشاعة هذه المعاني التي ندعو إليها، سواء بسبب التفرق والاهتزاز الذي يشهده العالم العربي والإسلامي، او بسبب قوة الغرب وغلبة سطوته، ولكن التاريخ الذي أراده الله قوانين حاكمة للشعوب والأنظمة وعليها، يرفض منطق الأمر الواقع؛ لأن هذا الواقع لم يكن في مرحلة سابقة وأصبح، ومن ثم فزواله خاضع لنفس القانون الذي جاء به، جاء بالقوة يزول بالقوة وبغيرها، جاء بالمنطق يزول بالمنطق وبغيره..، جاء بالتفاهم يذهب بالتفاهم وغيره، ولعل تجربة الشعب الجزائري أكبر دليل على إمكانية تفكيك الاستعمار الإستيطاني مهما علا واستعلى، فبعد مائة واثنين وثلاثين سنة، افتك الشعب الجزائري استقلاله، وواجه الحلف الأطلسي، ولم يعتمد إلا على الله وعدالة قضيته، وما جاءه من دعم من هنا ومن هناك، إنما كان نتيجة لما فطر عليه البشر من انتصار للقضايا العادلة، ولا يزال قائما، وكذلك دولة جنوب إفريقيا التي كانت إلى عهد قريب جدا دولة شاذة بكل المقاييس البشرية، وها هو النظام العنصري ينهار على رؤوس أصحابه، وكذلك الجمهوريات السوفييتية السابقة التي عاشت حوالي 70 محكومة بالحديد والنار ومجردة من جميع خصائصها الثقافية والدينية، وهي الآن تحاول تدبر أمرها في أطر جديدة قد تساعدها على استعادة عافيتها من جديد كما كانت من قبل، وكذلك فلسطين والمسجد الأقصى، لا نظنها تشذ عن منطق التاريخ؛ بل إنها في بعض الجوانب أوضح من الكثير من القضايا التي تاه فيها العالم، ولها من الاعتراف الدولي الشعبي بطبيعة الحال والشرعية الدينية والتاريخية ما ليس لغيرها من الكثير القضايا العالقة في العالم، وكل ذلك يصب في خانة إمكانية استعادة فلسطين التاريخية، واسترداد الأقصى إلى محضنه الطبيعي العربي الإسلامي، ومع ذلك على الله بعزيز.    

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • ام محمد

    بسم الله الرحمان الرحيم
    بت اليوم اكثر اقتناعا ان لايمكن ان تتحرر فلسطين الا بجهاد اهلها المرابطين كما قالهارسول الله.
    عندما سمعت ورايت رئسنا يقول مثل هدا اسغربت ولكن الان اقولها للفلسطينيين حرروا بلادكم كما حررنابلدنا حتى لا يكون لاحد عليم منة ولا فضل .

  • التعامي

    شكرا NADIA على التنبيه هو بالفعل تميم البرغوثي، وليس مروان الفتحاوي الذي يقبع الآن في سجن الصهاينة، ولكن وقع سهو مني أثناء الكتابة فمروان لا علاقة له بالشعر وليس شابا
    فمعذرة للقراء للشاعر الشاب

  • nadia

    يا أستاذ الشاعر الشاب الفلسطيني هو تميم البرغوتي وليس المناضل مروان البرغوتي الذي ذكرت

  • الطيب

    لقد أركبونا يا أستاذ التهامي في منظومة عالمية تجرها القاطرة الصهيونية رغمًا عنا و عن أصلنا فالإنتاج الفني لصالح فلسطين هو دعم للإرهاب و تفاخر به ! و هل صناعة 11 سبتمبر في أمريكا إلا من أجل هذا الهدف . فإسرائيل بعد هذا الحدث حريصة كل الحرص أن تقنع العالم أنّ الفلسطيني الحامل للسلاح و الواقف ضد توسعها هو الإرهابي الأول و تم تصديقها و لكن من حسن الحظ من قلة قليلة فقط من حثالة العرب و الآن هم يجهرون بهذا بغير حياء . ألم تلاحظ أن هذا النوع من الدعم للقضية الفلسطينية انحسر منذ رواج مصطلح الإرهاب !؟

  • بدون اسم

    كلام فيه مضغ و تعليك رحمك الله قل لنا كيف تحمي القدس و فلسطين في اغتصاب ؟ كيف تدخل البيت من القرمود ؟ ماذا تعني : بإلإنتاج الفني ؟ كيف تستريد الأقصى بدون أن تفكر في تحرير الأرض ؟ هذه التجزئة فيما لا يتجزأ هو حلم أم أمل أم هو وهم ؟ الحق المسلوب لا يحافظ عليه بل يؤخذ كما سُلب أول مرة ؟ كلام أدبي محض لم تذكر أدنى يبب في التحرير و لا أدنى مرض سبب الإحتلال دائما نلوم العدو و ننسى أن نذكر مَن هو عدونا النفسي سبب لنا إستدمار العدو الخارجي اللهم يخرجنا من ورطة فكرنا المنغلق على نفسه حتى نفهم مَن نحن