الرأي

القرآن الكريم وشخصية حامله

القرآن الكريم “كتاب حياة”، يهدي إلى الرُّشد، وما ترك كبيرة ولا صغيرة مما ينفع الناسَ إلا دلَّ على أحسنها وأمر بها، ورغَّب فيها، أو حذَّر من أسوئها، ونهى عنها، ولو أعجب الناسَ حسنُها الظاهري ولا يوجد – ولم يوجد، ولن يوجد – كتابٌ مما أنزِل من السماء أو مما ابتدعته عقولٌ جَمَع فأوعى إلا هذا القرآنُ الكريم الذي أنزله العليمُ الخبير على البشير النذير، ليهدي به الناسَ إلى الحياة السعيدة في الدنيا، وإلى “الحيوان” الحقيقية في الآخرة..

 وعندما أنزل هذا القرآنُ كان الناسُ جميعا في ضلال مبين في جميع الميادين، فدعا إلى كل خير، ونهى عن كل شر، فكان كما قال القائل “ثورةً سماوية على الأباطيل الأرضية”، التي يأمر بها الشيطانُ وجنودُه من شياطين الإنس الذين يحرسون تلك الأباطيل ويحرصون على إقامتها واستمرارها.

أنزعج أولئك الفاسدون من كهنة الأديان، وجبابرة الطغيان، ومُشِيعي الفواحش، والمتاجرين فيها.. فرفعوا شعارا ما يزال قائما إلى اليوم هو: “اِئْتِ بقرآن غير هذا أو بدِّله”، وسيبقى هذا الشعارُ وأمثالُه إلى يوم تُبدَّل الأرض غير الأرض وتُطوى السماوات..

 ليست مشكلة القرآن الكريم مع هؤلاء المغضوب عليهم، وليست مع هؤلاء الضالين فقط، ولكن المشكلة هي في هؤلاء المسلمين الذين يزعمون أنهم آمنوا به، ولكنهم يهجرونه، ويتحاكمون إلى الطاغوت، وأمثلُهم طريقة هو من يجعل القرآن عِضِينَ، يؤمن ببعضه، ويُعرض عن بعضه، فلا يحلُّ كلّ حلاله، ولا يحرِّم كل حرامه، ويتساهل إلى دركة النقيض مع أخلاقه التي يصل بعضُها إلى درجة الإيمان.. كان الله – عز وجل – أنزل فيهم آيته الكريمة التي يقول فيها: “يا أيها الذين آمَنُوا آمِنُوا”، إذ برغم وصف الآية لهم بالإيمان، فإنها تأمرهم بالإيمان، خاصة إذا كان الزاعمُ للإيمان ممن يحملون هذا القرآن، ويعتلون منابر الدعوة ووعظَ الناس وتوجيهَهم.

من أجل ذلك كله عقدت “مدرسة البصائر” في بلدة البوني بعنابة يوما دراسيا لفائدة حاملي وحاملات القرآن الكريم.. والمستغلين به تعليما، وتوعية.. تحت عنوان “الشمولية في شخصية حامل القرآن الكريم”. كان هذا اليوم هو يوم السبت 10 أفريل 2021، وحضره ثلةٌ من أساتذة الجامعات، وحاملي القرآن وحاملاتِه، وقد أقيم هذا اليومُ الدراسي تحت إشراف أعضاء من المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، يتقدمهم رئيسُها الدكتور عبد الرزاق قسوم..

إن “مدرسة البصائر” في عنابة، هي و”مدرسة العتيق” أنموذجان طيِّبان لما كان يرجوه مؤسسُ جمعية العلماء، خاصة رئيساها الإمامان عبد الحميد والبشير… فندعو إخوتَنا في شُعب جمعية العلماء عبر الوطن إلى الإطّلاع على التجربة الفعالة الناجحة لهذين المدرستين، والنسج على منوالهما، والسير على هداهما في ميدان العناية بالقرآن الكريم تحفيظا، وتفهيما، وتطبيقا، وتدبُّرا. و”إن يعلم اللهُ في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا”. وتحية إلى القائمين على مدرسة البصائر، وأعضاء “الجمعية” في عنابة، الذين حرَّكوا السواكن الراكدة في السنوات الماضية بسبب لعنة ضمير “أنا”.

مقالات ذات صلة