الرأي

القرض الحسن لتمويل اقتصاد بديل

حبيب راشدين
  • 3315
  • 8
أرشيف

انشغال الحكومة بمواجهة تداعيات جائحة “كوفيد 19″، قد تفوت عليها فرصة التفكير في مواجهة تداعيات أزمة اقتصادية عالمية، مفتوحة على مواجهات متعددة الأوجه، بين الأقطاب الاقتصادية العالمية، حول إعادة تقسيم العمل ومناطق النفوذ والتوسع، وتعد بتغييرات عميقة في الأداء الاقتصادي والمالي، في عالم جديد، يبحث عن عولمة جديدة سوف تستعيد فيها الدولة القطرية كثيرا من صلاحياتها التي تنازلت عنها لمؤسسات “فوقومية” مثل: صندوق النقد الدولي، والبنك العالمي، وصندوق المقاصة، والنظام المصرفي الربوي.

فحتى قبل أن يكشف عن مستوى الانهيار في الاقتصاديات الرائدة في الأقطاب الثلاث: الصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، سارعت الدول في هذه الأقطاب إلى تفعيل سياسات الحماية لاقتصادياتها، بتحرير كميات هائلة من الأموال، مصدرها الوحيد: ما يسمى بـ”تمويل غير اعتيادي” مثل التيسير الكمي (quantitatif easy) في الولايات المتحدة، الذي ضخ بموجبه حتى الآن قرابة 10 آلاف مليار دولار، ومثله فعلت الصين والاتحاد الأوروبي.

وحيث إن ما أحلوه لأنفسهم، لا ينبغي أن نحرمه على أنفسنا، فمن الواجب على حكوماتنا أن تفتح ورشة تفكير ـ بلا أفكار مسبقة ـ لتصور نموذج اقتصادي لما بعد انحسار وباء كورونا، يستشرف التحولات الكبيرة القادمة في الاقتصاد العالمي، ويأخذ بعين الاعتبار حاجة البلاد إلى التعامل بجدية وذكاء مع ثلاث تحديات كبرى:

التحدي الأول: له صلة بمصادر تمويل أنشطة الدولة والاقتصاد، فمع الاضطراب المستدام في سوق المحروقات وأسعارها، بات لزاما علينا التفكير في صيغ بديلة للتمويل لاقتصاد خارج عوائد النفط والغاز، وبعيدا عن اللجوء للمديونية الخارجية التي ترهن سيادة الدول، دون إضافة تذكر للنمو الاقتصادي وللثروة.

التحدي الثاني: له صلة بحاجة البلد إلى تأمين نسبة محترمة من الاكتفاء الذاتي في الغذاء والأدوية، بالقدر الذي يسمح لها بمواجهة أزمات مستقبلية كبيرة في خطوط الإمداد والتموين، إن لم تكن في حجم الإنتاج العالمي نفسه، مع ما يستشرف من تنامي إجراءات الحماية الجمركية، وابتزاز قادم للدول وللشعوب في قوتها، بأكثر مما كانت تبتز بأدوات التمويل وأدوات الحصار.

التحدي الثالث: تفرضه الحاجة الدائمة إلى توفير مناصب شغل دائمة، ومنتجة في قطاعات غير مرتهنة لتقلبات السوق العالمية، ولتداعيات الكوارث الطبيعية والأوبئة والحروب، مثل: قطاع الخدمات، والسياحة، والمناولة من الباطن للشركات العالمية الكبرى، قطاعات رأيناها تنهار بسرعة خارقة في بحر ثلاثة أشهر من الإغلاق، ومن التهويل المصنع بالجائحة.

أمامنا فرصة لا تعوض لبناء اقتصاد رديف مواز للاقتصاد القائم، توجه له موارد الدولة من التمويل غير الاعتيادي، بوصفه قرضا لهذا الجيل من الأجيال القادمة، نسدده بما نورثه لها من منشآت قاعدية، ومن اقتصاد منتج متنام، شريطة حماية هذا التمويل من الافتراس والعبث، كالذي تعرض له زمن هيمنة العصابة، وذلك باعتماد صيغة مبتكرة، يمنح فيها كل مواطن سهما متساويا، كقرض شخصي يدخل به في سوق أسهم داخلية، تمول حصريا المؤسسات التي ستنشط في قطاعات هذا الاقتصاد الرديف بقاطراته الثلاث: الطاقات المتجددة، والفلاحة، والمياه، وما يتصل بهذه القطاعات من صناعات وخدمات متعددة من المنبع إلى المصب.

فبمنحنا لكل مواطن قرضا بنظام المرابحة بـ 10000 دولار (أي ما يعادل ثلث ما يمنح من قروض لأي طالب في الولايات المتحدة) نستطيع أن نوفر تمويلا ميسرا لهذا الاقتصاد البديل، بما يعادل 440 مليار دولار، بمعدل استهلاك سنوي قدره 44 مليار دولار طوال العشرية القادمة، تمويل ميسر قادر على تغطية حاجيات مشاريع إنمائية في القطاعات الثلاث، لن يكون له تأثير يذكر على منسوب التضخم، ما دامت أمواله موجهة حصريا للاستثمار المنتج، وتمنحنا فرصة تحويل 44 مليون مواطن إلى مساهم نشط ومسئول في النشاط الاستثماري، بدل استفراد ثلة من المضاربين من أمثال علي حداد، الذي استفاد من 452 قرضا بما قيمته 210 مليار دينار، أو ما يعادل 16.5 مليار دولار، أي ما يكفي لتمويل قروض فردية بـ 10000 دولار لـ 1,65 مليون مواطن، وإن ما أقترحه يساوي فقط 26,66 مرة ما منح لعلي حداد وحده.

مقالات ذات صلة