-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اللغات العالمية : متاعب مشتركة!!

اللغات العالمية : متاعب مشتركة!!
ح.م

يقول عالم اللسانيات الروسي يفغيني بوليفانوفPolivanov  (1891-1938) -الذي أعيد له الاعتبار عام 1963 بعد أن أُعْدِم بتهمة التجسس لصالح اليابان خلال “حملة التطهير” الستالينية : “في كل بلد، يمكن رصد التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية السارية في المجتمع من خلال مصطلحات اللغة الدارجة المنتشرة في وسطه”. ويشاطر بوليفانوف الرأي عدد كبير من علماء الاجتماع.

عندما ننظر إلى الجدل القائم بين من ينادي عندنا بالتشبث بـ”اللغة الأم” و/أو بلغة القرآن بينما ينادي الآخرون بالتمسك بالفرنسية (“غنيمة الحرب”) أو بالأنكليزية (لغة التواصل العالمي) ندرك أننا نتجاهل في تجادلنا ما تعانيه اللغات المتقدمة من عقبات أمام تطوّرها، وما يجب أن يكون. لنضرب بعض أمثلة على ذلك.

اللغة الفرنسية

يبذل الفرنسيون والناطقون بالفرنسية في مختلف البلدان جهودا مضنية للحفاظ على مكانتها وتطويرها. فهناك نقاشات حادة حول وضعها في العالم ومستقبلها. ترى فئة من المدافعين عنها أنها ضحية هيمنة اللغة الأنكليزية ويطالبون بفرنسة المفردات الأنكليزية الدخيلة وإجبار الإدارات على استعمال المصطلح الفرنسي بدل الأنكليزي (مثل mel أو courriel بدل email وtélécopieur  بدل fax…).

بينما ترى فئة ثانية أن المشكل يكمن في القواعد اللغوية، وأن الحل يكون بإصلاح جذري لهذه القواعد وبمطالبة الناطقين بها -سياسيون وإعلاميون وسينمائيون ومذيعون وطلبة- ألا يخلطوا الدارج بالفصيح. وفي نفس الوقت تقترح فئة ثالثة التركيز على الجانب الاقتصادي وبسط النفوذ السياسي على المستضعفين لتعميمها عبر العالم. وتدعو فئة رابعة إلى الحفاظ على الفرنسية من خلال الحفاظ على نشر ثقافتها المتعددة الأشكال.

وما يزيد الطين بلة أن بعض الصحف والمجلات تستعمل المزيد من الدارج لجلب فئة من القراء. خذ مثلا مجلة Science & Vie في طبعتها الموجهة للناشئة، فهي تكثر من استعمال المفردات والعبارات العامية المنتشرة لدى الشباب الفرنسي حتى أنه يصعب فهم مقاطع منها لدى القراء الآخرين.

اللغة الأنكليزية

اللغة الأنكليزية، صارت لغة التواصل بامتياز عبر العالم، وهذا التواصل يغطي كل المجالات. ومع ذلك فهي لا تعاني من الفروق اللغوية بين مستعمليها في أمريكا وبريطانيا فحسب بل إن انتشارها الواسع جعل كثيرا من “الدخلاء” في القارات الخمس يطعّمونها بلغاتهم ولهجاتهم كما يفعل مغتربونا في فرنسا. ثم إن الإحصائيات تشير مثلا إلى أن أكثر من 55 مليون شخص في الولايات المتحدة لا يتكلم الأنكليزية في بيته بينما لم يتجاوز هذا العدد 25 مليونا خلال الثمانينيات من القرن الماضي.

وقد ظهرت “لغة” جديدة سُميّت “الغلوبيش” Globish (نحت من Global English)، وهي لغة أنكليزية مبسطة لا تستعمل سوى كلمات وعبارات قليلة تتميّز بكثرة تداولها في لغة التواصل. ولذا يسميها آخرون “لغة المطارات”.

تنتشر هذه اللغة بسرعة في شبكات التواصل الاجتماعي عبر العالم، وهي تشوّه الأنكليزية الأم إذ لا تخضع قواعدها سوى لممارسة مستعمليها الجاهلين بقواعد اللغة الأم. وقد أدت العولمة بهؤلاء إلى هذا الوضع السيئ. ذلك ما يشغل المدافعين عن اللغة الأنكليزية… ومن تساؤلاتهم : في ظل العولمة، هل “الغلوبيش” أكثر فعالية من غيرها كلغة تواصل بين أشخاص ليس لهم نفس اللغة الأصلية؟

اللغة الألمانية

تشكلت عام 1980 هيئة من خبراء اللسانيات في ألمانيا والنمسا وسويسرا للنظر في تبسيط بعض قواعد الألمانية. وتواصل العمل بين ممثلي هذه الدول إلى أن تُوِّج بظهور مشروع إصلاح القواعد اللغوية عام 1996 بعد أن انضمت إليه إمارة ليختنشتاين، وظلت لكسنبورغ مترددة. غير أن المشروع رفضه الكتاب ورجال الإعلام، واضطر أصحابه إلى مراجعته مرارا حتى تم تبنّيه عام 2006.

وقد اُعتمدت تلك الإصلاحات في المدارس رغم التخوّف من جعل الجيل القادم لا يستوعب المؤلفات الألمانية السابقة مما سيضطر الدولة إلى “ترجمة” أعمال المؤلفين الألمان للتلاميذ في المدارس. كما لا يزال معارضو المشروع يدينون الطابع غير الديمقراطي والعشوائي في تبني بعض الاختصارات اللغوية الجديدة. وأشار هؤلاء إلى الصعوبات التي سيتلقاها أولياء التلاميذ عندما يريدون مساعدة أطفالهم.

اللغة الروسية

رغم جهود الثورة اللينينية في الشأن اللغوي فإن اتساع رقعة الاتحاد السوفييتي لم تساعد على دعم اللغة الروسية نظرا لتعدد اللغات واللهجات. لكن ستالين كان أكثر تشددا في هذا الباب مما جعل الروسية تغزو الاتحاد، واضطر العلماء آنذاك إلى الكتابة بها بدل اللغات الأوروبية، مثل الألمانية. وهذا ما أدى إلى انتشارها عبر العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين.

وما زادها دفعًا أن بروز المعسكر الاشتراكي أدى بالمعسكر الآخر إلى الحثّ على تعلم الروسية عملا بالقاعدة “من تعلم لغة قوم أمن شرهم”. كما عمل القادة الروس على نشر لغتهم بكل الوسائل (الترجمة، التعاون المختلف الأشكال، المنح الدراسية لطلبة العالم الثالث…). وهكذا بلغت اللغة الروسية في نهاية الثمانينيات ذروتها إذ فرضت نفسها كلغة رسمية في الهيئات الدولية، وكان يتكلمها نحو 350 مليون نسمة. ثم نزل هذا العدد بعد تفكك الاتحاد إلى 270 مليون.

والآن هناك 14 مليون نسمة في العالم يتعلمون الروسية كلغة أجنبية… وهذا أقل مما كان عليه الحال، بـ 12 مرة، قبل تفكك الاتحاد عام 1991. وبعد مرور قرابة 30 سنة عن التفكك يشرع الروس في تنفيذ مشروع طموح لخدمة لغتهم عبر العالم من خلال عدة أدوات، منها إنشاء شبكة من المراكز الثقافية في مختلف البلدان.

أما داخل روسيا فإن اللغة الروسية تخضع لامتحان عسير بحكم الانفتاح الذي جعلها ضحية هجمة لغوية شرسة فرضتها الألفاظ الأنكليزية بوجه خاص. وقد اكتسحت تلك المفردات سوق الإشهار والإعلام وطالت جميع القطاعات.

ذلك أن التحوّلات الاجتماعية والسياسية التي عرفها المجتمع الروسي منذ ثلاثة عقود أثََّرت كثيرا بمفرداتها وعباراتها الدخيلة. ورغم أن بعض هذه الألفاظ أثْرَت اللغة الروسية إلا أن مساوئها فاقت مزاياها. كيف لا وقد مسّ هذا التحوّل اللغوي المفردات الخاصة بالمفاهيم ومسميات المنتجات الحديثة الظهور، وشمل أيضا ألفاظا كانت متداولة في اللغة الروسية فعُوّضت بمفردات أنكليزية.

وفي هذا الخضم، يلاحظ الخبراء أنه من الخطأ الاعتقاد بأن تطوير اللغة الأم وثقافتها يمرّ عبر تجاهل اللغات الأخرى ومحاربتها. وهم يرون من الأهمية بمكان إتقان المواطن عدة لغات لأن التحكم فيها يطوّر ويثري لغة البلاد. أما اللهجات فتُعتبر المصدر الأبرز لتطوير الفصيح. فهل تعي السياسة اللغوية لبلادنا هذه المرتكزات؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • هــانئ حـــداد

    إلى محمد و algeien المشكوك في جزائريته ( قد يكون من أبناء الاستعمار أو أذنابه وما أكثرهم بيننا يأكلون الغلة ويسبون الملة)نعم أنا أشطرك الرأي يا محمد 200 في المئة هذا النوع من الجزائريين ليس لهم عقول يحللون بها أو أذان يسموعوبها بل هم يعاكسون من أجل المعاكسة ليس غير

  • مهدي

    ماهي العواقب التي تواجه العربية قواعد؟الكلمات الدخيلة؟او محاربة ناس لها؟

  • مهدي

    الى صاحب تعليق اول لانقبلها بكل بساطة لانها صناعة مستعمر فرنسي جيبلي كتاب تاريخ قديم قال لغة امازيغية في شمال افريقية يوجد ثلاث لغات لاغير اللاتينية الفينيقية البونقية والليبية الفنيقية لها علاقة بقرطاج ونوميديا الفنيقية يمكنك اطلاع على تحليلاتهم جينية وعلم السنة في هذا خصوصاولمن هي تابعة في اصل تاريخيا وجينيا وليبية لغة بعيدة كل بعد عن لهجة بربرية

  • الموسطاش

    إلى المعلق الأول العربية ليست لغة غزاة إنما هي لغة فتح إسلامي و كأمازيغي أقول أنا أعتز بها و أتمنى أن أحشر مع عقبة و أصحابه الذين أتونا بهذا الدين المنير ولم يكونوا أبدا غزاة ولتعلم أن الكاهنة رفضت هذا الفتح لأنه كان يمس بمصالحها في تحرر الشعب وبالخصوص العبيد
    ولتعلم أيضا أن الأمازيغ في الجزائر يعتزون بهذا الفتح ودليل ذلك آلاف منهم سموا أبناءهم إسم العربي منهم المحامي نايت العربي والكثير
    ما ذنب العربية أن كانت الأمازيغية غير منافسة للعربية عبر 14 قرن وأنت تعلم حب المسلم للقرآن الذي يردده في صلاته و تلاوته
    مت بغيضك و حقدك للعربية التي سنطورها لندرس بها شتى العلوم

  • محمد

    إلى من يسمي نفسه algerien نحن أمازيغ عربنا الاسلام والامازيغ عرب جاءؤوا من اليمن والشام وليسوا رومان. والذي فتح شمال إفريقيا هم المسلمون وليسوا العرب. وقد علمونا كيف نعبد الله ولا نعبد الاصنام وعلمونا الحضارة والثقافة. ثم لماذا هذا التهجم على العربية والاسلام ؟ ولم نسمع لك كلمة في حق فافا؟ المهم ليس هناك لغة أمازيغية والخط التيفيناغي خط الطوارق وليس خط القبايل.فالقبايل أو الزواوة لهم ثقافة شفهية غير مكتوبة.عد لدراسة التاريخ من خلال ابن خلدون وأبو يغلى الزواوي..وليس من خلال كتب فافا وكتب سليم شاكر والاكاديمية البربرية التي أنشأتها المخابرات الفرنسية لضرب الجزائر

  • algerien

    وفي الجزائر لا تريدون تقبل وتطوير واستعمال اللغة الامازيغية وهي لغة الام والاصلية في الدزائر. انكم منافقين كيف تخدمون لغات المستعمرين والغزاة كالعربية والفرنسية ولا تتقبلون لغة الجزائر ولغة كل الشعب الجزائري الاصلية.