-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الله لطيـــــــف بــــــــك.. فــــــــلا تسئ بــــــــه الظــــــنّ

سلطان بركاني
  • 794
  • 1
الله لطيـــــــف بــــــــك.. فــــــــلا تسئ بــــــــه الظــــــنّ

كثيرا ما يهيم العبد على وجهه في هذه الحياة، ولا يرى هذه الدنيا إلا مضمارا للتّنافس في جمع الحطام الفاني، فإذا ما أصاب من متاعها مُناه فرح واستبشر وظنّ أنّه قد بلغ في السّعادة غايتها، ونسي المنعم سبحانه، وإذا ما فاته شيء من حطامها أو نزلت به ضائقة أو ألمّت به بلية، أحاطت به الهموم والغموم واعتصرته الأحزان، ونسي أنّ كلّ شيء في هذه الحياة يسير بأمر خالق عليم خبير، لطيف بعباده، حنان منّان كريم، يَبتلي عباده بالشرّ والخير ليذكروه ويشكروه في السراء، وليدعوه ويجأروا إليه في الضرّاء، يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: ”لو أن ملكًا قال لرجل فقير: كلّما ضربتك بهذا العود اللطيف ضربة أعطيتك ألف دينار؛ لأحبّ كثرة الضرب، لا لأنه لا يؤلم ولكن لما يرجو من عاقبته وإن أنكأه الضّرب”.

ومن لطفه سبحانه أنه جعل بعد كلّ عسر يسرا، وبعد كلّ محنة منحة، يبتلي عبده ببلية ليستخرج منه مكنون العبودية وليسمع دعاءه ويرى إلحاحه، وليَحُط سيئاته ويرفع درجته، ثمّ فوق ذلك ما يلبث العبد أن ترفع بليته، ويبدله الله عنها من الخير والبركة ما لم يكن يخطر على قلب ذلك العبد.

ومن لطفه سبحانه أنه يقدر أرزاق عباده بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مرادهم، وربّما يريدون شيئًا وغيره أصلح، فيقدِّر لهم الأصلح وإن كرهوه، لطفًا بهم وإحسانًا، ((اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيز)).

ربّما يطلب العبد وظيفة معيّنة في مكان محدّد، فيؤخّرها الله عنه لمصلحته، أو يصرفها عنه لأنها قد تفسد دنياه وأخراه، أو تفسدهما معا، ويكتب له بعد ذلك وظيفة أخرى فيها خير دنياه وأخراه، وربّما يطلب العبد المؤمن منصبا فيه مسؤولية يصعب عليه أن يعطيها حقها، وإن أعطاها حقها فعلى حساب دينه، فيصرفها الله عنه رغم إلحاحه في طلبها، لأنّه سبحانه قد علم أنّ معها فساد دينه وأخلاقه، وربّما يكون المؤمن صاحب وظيفة تستره وتكفيه، فيفكّر في توسيع موارده وزيادة مداخيله، فيطرق أبواب التّجارة، فلا يفتح له منها باب، وكلّما وضع أوّل خطوة في مشروع تجاريّ جاءه ما يصرفه عنه، وربّما يحزن لذلك ويتّهم الأقدار، وهو لا يعلم أنّ اللّطيف الخبير هو من صرف عنه ما صرف لمصلحته، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ”إنّ العبد ليهمّ بالأمر في التجارة والإمارة حتى ييسر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه فإنْ يسّرته له أدخلته النار، فيصرفه الله عنه، فيظل يتطير بقوله: سبّني فلان، وأهانني فلان، وما هو إلا فضل الله عز وجل”.

ربّما يريد الشابّ زواج فتاة أغراه مظهرها، ويلحّ على زواجها ويبذل ماله ووقته لأجل ذلك، فيصرفها الله عنه، ويحزن وربّما ينهار وتُظلم الدّنيا في وجهه، وهو لا يعلم أنّ الله العليم الخبير قد صرفها عنه لمصلحة دينه ودنياه، وربّما تريد الفتاة المؤمنة الزّواج بشابّ أغراها معسول كلامه وأغرتها وُعوده، وتصرّ على أنّها لن تتزوّج غيره، وربّما تعقّ والديها وتخاصم إخوتها لأجله، فيصرفه الله عنها، فتظلم الدنيا في وجهها وتلقي باللائمة على والديها وإخوتها، وهي لا تدري أنّ الله اللّطيف الخبير هو من صرفه عنها لمصلحتها.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: ” لو كشف الله الغطاء لعبده، وأظهر له كيف يدبر الله له أموره، وكيف أنّ الله أكثر حرصا على مصلحة العبد من العبد نفسه! وأنه أرحم به من أمه، لذاب قلب العبد محبة لله، ولتقطع قلبه شكراً لله”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • يوغرطة

    يا تلاميذ غزة علمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا علمونا بأن نكون رجالا فلدينا الرجال صاروا عجينا علمونا كيف الحجارة تغدو بين أيدي الأطفال ماسا ثمينا كيف تغدو دراجة الطفل لغما وشريط الحرير يغدو كمينا كيف مصاصة الحليب إذا ما اعتقلوها تحولت سكينا يا تلاميذ غزة لاتبالوا بإذاعاتنا ولا تسمعونا إضربوا إضربوا بكل قواكم واحزموا أمركم ولا تسألونا نحن أهل الحساب والجمع والطرح فخوضوا حروبكم واتركونا وسوف يسألنا رب العباد .. ماذا فعلتم لتلاميذ غزة وأهلهم وأهل فلسطين وقت أن كانوا لكم متوسلينا ؟؟ ولن نجد لدينا جوابا وسنقف بين يدي الله يومئذ أذلة.. صاغرينا.