-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" وقفت على تحديات صناعتها وتوزيعها في مجمع "بيوفارم"

المؤثرات العقلية.. قنابل موقوتة ومسار إنتاج مُلغّم بالمخاطر

كريمة خلاص
  • 1142
  • 0

موازين وكاميرات وأقفاص حديدية و”كادنات” لتقفي آثار الأدوية العقلية

كرّار عبد الواحد: بائعو جملة تخصّصوا في “البزنسة” بالمؤثرات

تشكّل المؤثرات العقلية قنبلة موقوتة لكافة الفاعلين في سوق الدواء الجزائرية منتجين وموزعين وصيادلة وأطباء، نظرا لتحريفها عن مسارها العلاجي والاتّجار بها في سوق الإدمان والمخدرات، وما يصاحب ذلك من تهديدات واعتداءات دفع البعض حياته بسبب الامتناع عن صرفها أو وصفها، ناهيك عما ينجر عنها من عقوبات تصل حد السجن.

إلى جانب ما نسمعه عن الاعتداءات المتكررة على الصيادلة وكذا التهديدات التي يتلقاها الأطباء في عياداتهم لوصف هذه المؤثرات تحت طائلة استخدام الأسلحة البيضاء، تنشط شبكات أخرى على مستوى المنابع الرئيسية لإنتاج وتوزيع هذه المؤثرات، بالتواطؤ مع عملاء مندسين…

“الشروق” دخلت وحدات إنتاج المؤثرات العقلية وزارت مراكز التوزيع، حيث تنقلت إلى وحدة “بيوبير” بالبليدة ووحدة “بيوفارم” بواد السمار ووقفت على مختلف مراحل الإنتاج والتوزيع والتشديدات الأمنية والرقابية في التعامل مع هذه المادة “الخطيرة”.

وكشف بعض المتعاملين في مجال الصيدلة بأنهم اعتمدوا إجراءات صارمة وشديدة في الوحدات الإنتاجية الخاصة بالمؤثرات العقلية، كما أنّهم استثمروا أموالا طائلة لاقتناء كاميرات مراقبة منصّبة على كامل زوايا وأرجاء الوحدة لمتابعة دقيقة لكل ما يدور درءا لأي محاولات تلاعب بالإنتاج أو سرقة قد تقع.

عيادي: حراسة مشدّدة للمادة الأوّلية ونفايات الإنتاج في أقفاص حديدية بالكاميرات

رافقنا في زيارتنا إلى وحدة إنتاج المؤثرات العقلية على مستوى شركة “بيوفارم” الدكتور عيادي الغاني مسؤول الإنتاج بالشركة الذي اطلعنا على مختلف الإجراءات والمراحل التي تمر بها صناعة هذه المؤثرات، بدءا من خلط مكوّنات المنتج وجلب المادة الأولية إلى غاية مرورها بمختلف ورشات التحضير ووصولها إلى خطوط الإنتاج النهائية والتعليب.

وأفاد الدكتور عيادي بأنّ المادة الأوّلية المؤثرة عقليا تحرس بشكل مشدّد في قفص حديدي مغلق بالأقفال والكادنات وتحت مراقبة كاميرات في كل الزوايا، ويدخل القفص الحديدي 3 أشخاص فقط هم: مسؤول المخزن وعون الأمن وممثل الإنتاج من أجل وزن الكميات المطلوبة التي تمر عبر منطقة عازلة قبل انتقالها إلى الورشات الخاصة، بسبب نوعية الهواء الذي تختلف معالجته داخل الورشات عن خارجها.

وأضاف عيّادي أنّ جميع الورشات والأروقة مزوّدة بكاميرات مراقبة لا وجود فيها للزوايا المظلمة.. متصلة بموّلد كهربائي ينطلق عمله خلال 8 ثوان من انقطاع التيار الكهربائي.

ويمر إنتاج المؤثرات العقلية التي تختص بها “بيوفارم” والمتمثلة في “نوريكا” المكوّنة من “البريغابالين” ومنتج “اكزامادول” المكوّن من “الترامادول” عبر 5 ورشات أساسية كل ورشة يدخلها شخص واحد فقط، حيث يبدأ بوزن المكوّنات ومزجها في ورشة الخلط والتصفية ومنها إلى ورشة الضغط وإخراج المنتج، الذي يخضع إلى 3 اختبارات أساسية هي الصلابة والتفتت والتفسخ.

بعدها تنقل الكميات المطابقة إلى ورشة التعليب والحفظ، حيث تبرمج الآلة الخاصة بالتعليب وفق مقاييس حفظ المنتج وعدد الصفائح المحددة وتخرج في الجانب الآخر لتسقط مباشرة على الميزان الذي يرمي كل علبة لا توافق الوزن المحدّد، ليعاد مراقبته من جديد وتحديد الخطأ.

وفي المرحلة الأخيرة يؤشّر رئيس خط الإنتاج على الكمية ويضع الوسم ويدوّن اسمه والوزن والتاريخ.. لترسيم مسار المنتج وتحديد المسؤوليات.

ويشهد عملية تحويل الكميات من ورشة التعليب إلى المخزن 3 أشخاص هم عون قمع الغش وعون الأمن وعون ضمان النوعية أين يعاد وزن الكميات مرة أخرى.

وتحظى نفايات المؤثرات العقلية والعينات غير المطابقة، رغم قلّتها بعناية خاصة وتحفظ في قفص حديدي يفتح من قبل عون واحد من مصلحة النظافة والأمن والبيئة، قبل تحويلها إلى مصلحة خارجية تتعاقد معها المؤسسة لحرقها.

سلاطنية: مسار مراقبة مشدّد من التموين إلى التوصيل

بدورها أكّدت سلاطنية سلمى صيدلية مديرة تقنية وطنية بشركة “بيوبير” لتوزيع الأدوية أنّ خطورة المؤثرات العقلية لا تخص المنتجات المصنفة قانونا بقدر ما تعني الأدوية المشابهة لها ومنها بالأخص “البريغابالين” و”تريكسيفينيديل” و”الترامادول”.

ويمر توزيع المؤثرات العقلية، حسب سلاطنية سلمى، بأربع مراحل من الشراء إلى غاية التوصيل للزبون، حيث يتمّ تحليل الخطر في كل مرحلة وتسخير الإمكانيات للمراقبة والتأكد بأن الطلبية مطابقة في حينها، وفق نظام متابعة ومراقبة على جميع المستويات من التموين إلى التوصيل.

وقالت سلاطنية: “لا يمكن أبدا قبول طلب الشراء دون موافقة الصيدلي المدير التقني على الكمية وبعدها تحوّل إلى المركزية اللوجيستيكية وكل الطلبية يتم وزنها في حينها بحضور مسؤولي المخزن الممونين، ويعاد مراقبتها أثناء تخزينها”.

وأضافت: “وفي حال تم توصيل الطلبية إلينا نشترط أيضا بقاء السائق أو المورد إلى حين فحص كامل الكميات في وقتها واشترطنا هذا الأمر لتبليغ الموردين بالنقص في حينه عند الختم على وصل الاستلام كما اشترطنا على زبائننا الصيادلة مراقبة سلعهم في حينها وأمام أعين أعواننا مع رفض أي شكاوى بعد ذلك”.

ومن بين الإجراءات المستحدثة، حسب سلاطنية، تخصيص هذه المنتجات في النظام العام باللون الأحمر وفواتير مستقلة، واشتراط وصل بالدفع لكل طلبية مهما كان حجمها.

وأوضحت سلاطنية لـ”الشروق”، أنّ شركتها كثفت الرقابة بشكل صارم منذ 2017 ووضعت مخطط العمل عقب ما بلغها من أخبار عن تحريف استعمالها، حيث استثمرت عديد الأموال لاقتناء الموازين والكاميرات عالية الدقة، كما أنها لا تحتفظ بمخزون كبير في المقر من أجل تفادي كافة التهديدات الممكن وقوعها أو مصادفتها.

غرف تحضير بشبابيك حديدية و”كادنات” والدخول محدود

يتم حفظ أدوية المؤثرات العقلية، حسب ما وقفنا عليه، في ظروف شديدة الصرامة، حيث توضع في غرف مغلقة بالأقفال و”الكادنات” والدخول إليها محدود جدا يقتصر على أشخاص معينين يتم اختيارهم بعناية وعادة ما يكونون من العمال القدامى الذين يوثق بهم وتنشر أسماؤهم في قائمة، حيث يدوّن الشخص اسمه ولقبه وسبب الدخول وتوقيته في سجل موضوع عند مدخل غرفة المؤثرات العقلية التي يتم فيها التخزين وتحضير الطلبية الذي يتم على طاولة مقابلة للكاميرات ترقب كل صغيرة وكبيرة وكل حركة تدب في الغرفة لتوضع بعدها في حاويات صغيرة مجهزة بنظام لا يسمح بفتحها.

وقالت سلاطنية: “نحن نوعي ونحسّس الموظفين بخطورة ما يقومون به وحساسيته ونحثّهم على العمل بعيدا عن الضغط لأن الخطأ يكلفهم غاليا”، مشيرة إلى تراجع الأخطاء بشكل شبه نادر.

قريبا.. دليل للممارسات الجيدة لتسيير المؤثرات العقلية

أكد عبد الواحد كرّار الرئيس المدير العام لمجمّع “بيوفارم” الصيدلاني أنهم سيضعون تجربتهم في مجال تسيير المؤثرات في دليل لصالح الموزعين والمنتجين، حيث قال “قد بلغنا درجة متقدمة من التأقلم مع الظاهرة والتحكم في الممارسات الجيدة ما حفزنا لتحضير دليل حول الممارسات الجيدة للمؤثرات العقلية سنضعه في متناول الموزعين والمنتجين في الاختصاص، فهو خلاصة تجربتنا التي نأمل استفادة الآخرين منها”.

وأضافت سلاطنية أنّ هذا الدليل سيكون جاهزا في غضون شهر، حيث يختصر كافة المراحل من الشراء إلى الزبون ويحدّد أخطار كل مرحلة وكيفية التعامل معها، كما يتطرق إلى الإطار التنظيمي المسير للمؤثرات والتذكير بالمرسوم التنفيذي الأخير.

كرّار عبد الواحد: بائعو جملة تخصّصوا في “البزنسة” بالمؤثرات العقلية

كشف عبد الواحد كرّار الرئيس المدير العام لمجمع “بيوفارم” الصيدلاني ورئيس الاتحاد الوطني للمتعاملين في الصيدلة، في حديثه لـ”الشروق”، عن حقيقة صادمة في سوق الدواء، حيث أشار إلى بروز فئة جديدة من بائعي الجملة تعرف في الوسط تحت اسم “ميغا بونيس” تخصّصت في المتاجرة بالمؤثرات العقلية هدفها الوحيد هو بيع المؤثرات العقلية التي تجني من ورائها أرباحا مذهلة، حيث تعيد بيعها أحيانا دون فوترة وأحيانا أخرى لا تملك اعتمادا، في غياب المراقبة من قبل الجهات المختصة، ما شجّعها على البروز خاصة وأنها تغير نشاطها بعد فترة قصيرة.

وأضاف كرّار أنّ “فائض الإنتاج أيضا يشكّل خطورة بالغة لتفشي الاتجار بالمؤثرات، حيث يتسبب في انحرافات لبعض الفئات أثناء بحثها عن أساليب للتخلص منه قبل انتهاء آجال صلاحيته وهو ما يفتح الباب أمام ممارسات لا أخلاقية أحيانا كالبيع دون فاتورة أو العينات المجانية، وحتى الأدوية المنتهية الصلاحية تنهب وتسرق لكي تباع في السوق السوداء”.

وهنا ثمّن كرّار الإجراء الرامي إلى تقديم توقعات الطلب من قبل الزبائن قبل الحصول على ترخيص برنامج الإنتاج، لتجنب التحايل والتلاعب، لأننا الآن ننتج أكثر من احتياجاتنا ولا نعرف الكميات التي يتم التلاعب بها في السوق السوداء.

وصرّح مدير “بيوفارم” بأنّ “خطورة الظاهرة تتطلب إنشاء هيئة متعددة القطاعات الوزارية للتسيير، بعيدا عن الجانب القمعي والتنظيمي فقط، حيث نحتاج إلى رفع جهود التوعية”، ملتزما في هذا السياق بالتكفل بانجاز ومضات إشهارية توعوية مقابل إيجاد وسائل إعلام تبثها مجانا في سياق الخدمة العمومية.

وعاد كرار في حديثه إلى تحديات وصعوبات إنتاج المؤثرات العقلية التي توسعت رقعة انتشارها في السنوات الأخيرة وما رافقها من تدابير احترازية انتهجها مجمّعه، مشيرا إلى الاستثمارات الكبيرة لتأمين مسارها من المصنع إلى الزبون التي كلفتهم أموالا باهضة لاقتناء أجهزة وعتاد مراقبة من كاميرات عالية الدقة وموازين وتوظيف أعوان أمن ومراقبة وتقنيين في مختلف التكنولوجيات ذات الصلة.

وقال كرار إنّ “تلك الإجراءات المشدّدة خاصة بالجزائر فقط، فالممارسات العالمية لا تفرض إجراءات تشديد للمؤثرات العقلية، ماعدا تخزينها في جانب خاص والإشارة إلى أنها مؤثرات عقلية، لكن انتشارها غير الطبيعي أجبرنا على التأقلم مع الوضعية بإقرار إجراءات مشددة في كل مرة كنّا نعدّلها ونعززها بعد استغلال الثغرات”.

وأشار المتحدث إلى أنّ “المؤثرات العقلية لا تنتج في الليل، نظرا لقلة المراقبة، كما أنّ فترة إنتاجها تخضع إلى رفع درجة الرقابة وعدد أعوان الأمن ومراقبة جميع التحركات، حيث تعلن حالة استنفار قصوى يتجند لها الجميع وتصل المراقبة إلى غرف تغيير الملابس والمراحيض لما شهدناه من حوادث سابقة.

واقترح كرّار دعم مصالح الأمن في إنجاز تحقيق بخصوص أهلية الموظفين في وحدات المؤثرات العقلية.

هذه حيل تهريب المؤثرات العقلية من المصانع..

كل الطرق مباحة لتهريب المؤثرات العقلية من المصانع مقابل الحصول على الربح الوفير بالتواطؤ مع شبكات ترويج المخدرات، والمفاجئ في الأمر أنّ المهربين ليسوا رجالا فقط وإنما نساء ومنظفات في سن متقدمة جدا أغوتهن الأموال على حساب مستقبل الأجيال.

ويروى في هذا السياق حوادث عديدة منها اكتشاف أمر منظفة كانت تزيل غبار الجدران بعد انتهاء العمل في وحدة المؤثرات وتجمع تلك النفايات في أكياس بلاستيكية بدل رميها في المكان المخصص لها وتعيد بيعها لشبكة في حيّها حتى فضحت بواسطة إحدى الكاميرات وعثر على الغبرة في حقيبتها عند الخروج.

حادثة مشابهة نفذتها منظفة أخرى تظاهرت بإسقاط بعض العلب ولم تعدها كاملة حيث جمعت بعضها في الممسحة الأرضية “نشاف” وأخفتها في كيس النفايات غير أن الكاميرات فضحتها.

وإلى ذلك كان بعض الأعوان يخفون الأقراص في المراحيض ويستعيدونها أياما بعد تخفيف الحراسة والانتهاء من تحضير المؤثرات، حتى اكتشفت دوريات أعوان الأمن التفتيشية الكميات وعادت بشريط الكاميرات إلى الوراء، ما جعل المسؤولين يقفون عند مرتكبي الفعلة.

حيلة أخرى لشباب يهربون الأقراص بين أصابعهم بغية عدم اكتشافهم وبعد مدة يخفونها في ملابسهم أو في أماكن لا تخطر على البال، غير أن الكاميرات عالية الدقة تحول دون إتمام خططهم.

800 دج للقرص من المهلوسات في السوق السوداء

رغم أن الأسعار الرسمية لأدوية المؤثرات العقلية لا تتعدى حدود 2000دج للعلبة الواحدة على أكثر تقدير إلا أنّ البزنسة بها في السوق السوداء بلغت سقفا عاليا جدا حيث يتراوح سعر القرص بين 800 دج وقد يصل إلى 1000 دج حسب نوعية المنتج وجرعته، ولنا أن نتصور ما يجنيه المنحرفون من بيع 50 قرصا مثلا في علبة واحدة.

وتتراوح الأسعار الرسمية بحسب ما اطلعت عليه “الشروق” بين 102.31 دج لمنتج “باركيديل” وقد تصل إلى 1866.48 لمنتج “ليريكا” الأكثر شيوعا في أوساط المنحرفين.

في حين يصل سعر دواء “سوبرامادول” 288دج و”دولاكس” 289 أما “كييتيل” فيصل إلى 204 دج.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!