الرأي

المؤمنون كلهم أولياء الله

ح.م

كنا قادمين من مدينة معسكر ذات يوم من عام 1987، وأدركتنا صلاة الفجر في مدينة غليزان فأديناها في الجامع المركزي، وعندما كنا في باب الجامع أمسك يدي أحد الإخوة وكان ذا نزعة طرقية، وقربني إليه وهمس في أذني قائلا: “إني أخاف عليك”.
تبسمت وقلت: “ذاك شأن كل مسلم، يحب أخاه المسلم، ويخاف عليه”.
فقال: ليس ذاك ما أقصد، وإنما أقصد بخوفي عليك أن يصيبك سوء لأنك تؤذي أولياء الله”. حدجت صاحبي بنظرة استنكار، وقلت: “أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين فأعادي أولياء الله”. ثم قلت له: هل هناك علامة على وجوه أناس تدل على أنهم “أولياء الله”؟ إنني أعتقد أن كل مؤمن التزم في قوله وفعله وخلقه بما أمر الله ورسوله، وانتهى عما نهيا عنه هو من أولياء الله، أميرا كان أو خفيرا، أميا أو عالما نحريرا، غنيا أو فقيرا، ولكنني يجب أن أصدقك القول بأنني حرب ما استطعت على الذين يتاجرون بأولياء الله، جاعلين منهم – رضي الله عنهم- “سجلا تجاريا”، يأكلون بهم أموال الناس بالباطل. ومنذ ذلك اليوم وهذا “الأخ” يصنفني في خصومه، ويتحاشى لقائي… وذات يوم كنت ألقي درسا في أحد المساجد، وذكرت قول الإمام عبد الحميد ابن باديس في موضوع الدرس، فلما قضيت الصلاة أقبل نحوي بوجه عبوس، وبدل أن يسلم راح يحتج على استشهادي بقول الإمام ابن باديس، فملكت أعصابي وقلت له: في الجمعة القادمة إن شاء الله ألق درسا في الموضوع نفسه، وأذكر قولا آخر.. وافترقنا.
وقد التقيته وجها لوجه في رمضان من عام 1991 في المطاف في بيت الله الحرام، فحدثت نفسي أن اللقاء سينزع ما في صدر هذا الأخ، وبينما كنت أتأهب للسلام عليه أعرض عني، وذهب إلى سبيله.. ويوم وفاة الأخ سي عبد الوهاب حمودة، وكنت جالسا إلى جانب من أجمع صالح الجزائريين وطالحهم على صلاحه وورعه وهو الشيخ الفاضل محمد الطاهر آيت علجت، أقبل هذا الأخ فهششت له وبششت، ولكنه سلم علي سلاما “باردا” لاويا رأسه عني فعلمت أن “تصوفه” من “الصوف” لا من “الصفاء” حتى أنه غادر الطريقة التي كان عليها، بعدما لم ينل ما كان يتمنى من “ولاية” بعد وفاة شيخ تلك الطريقة، رحمه الله وهدانا جميعا..
ولهذا الأخ الفاضل أسوق كلام الإمام ابن باديس، وهو “الولاية الشرعية قد جاءت فيها آية صريحة قرآنية… ومن أنكر هذه الولاية فلفظة مفسد قليل في حقه، وحقه أن يقال فيه ملحد…” (آثار الإمام ابن باديس .ج4ص 248) كما قرأت كلاما طيبا لأحد المتصوفة السنيين، وهو الشيخ أبو عبد الله محمد الكتاني في كتابه “نصيحة أهل الإسلام” (ص 210. ط. مكتبة بدر) وكلامه هو: “المؤمنون كلهم أولياء الله حقا، مصداقا لقوله: الله ولي الذين آمنوا”.
وأختم هذه الكلمة ببيتين من الشعر في هذا المعنى، وهما:
فلا تحقرن شخصا من الناس عله وليّ إله العالمين ولا تدري
فذو القدر عند الله خافٍ عن الورى كما خفيت عن علمهم ليلة القدر
فلا تصعر خدك، أيها “المتصوف”، ولا تزك نفسك، فإنك لم تتخذ عند الله عهدا.

مقالات ذات صلة