-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

المال وسيلة في حاجة إلى فكر

أبو جرة سلطاني
  • 388
  • 0
المال وسيلة في حاجة إلى فكر

سمع أصحاب السدّين من ذي القرنيْن ما لم يكن من ثقافتهم؛ سمعوه يقول لهم: إنّ ما أعطاني ربّي أفضل من كنوزكم؛ فالمال الذي عندكم يحتاج إلى فكر وتدبير. وإذا كنتم تعتقدون أنّ المال يشتري كلّ شيء أقمتم على حال التّخلّف الذي لازمكم أمدا طويلا بسبب ذهولكم عن الجوهر الذي يتمّ به التّمكين في الأرض وبه يتحقّق النّصر ويعمّ العدل وتشيع الحرّيات.. وذلك خير من كلّ خراج الدّنيا وريوعها وكنوزها. فخذوا بالأسباب التي أتاحها الله لكم لتحرّروا أنفسكم من حالة الغوغاء التي لا رأس لها ولا قيّادة.

ثمّ أبدى الاستعداد -بما مكّنه الله فيه- لجمع شتاتهم وقيّادتهم إلى مراشد أمورهم وترويضهم على ثلاثة شروط لازمة لإنجاح مشروعهم. أوّل شرط هو العزم على إنفاذ ما اقترحوا عليه من فكرة بناء سدّ يوقف زحْف الفساد بنقل الأمل إلى عمل. والثّاني: التّطوع بالمساعدة في إقامة هذا السدّ لإحياء روح التّكافل وضمان العمل الجماعيّ. فالمشاريع الضّخمة لا تُنجز بأفراد قليلين يعملون في الميدان بينما البقيّة يتفرّجون وكأنّ الأمر لا يعنيهم. والثّالث: المساهمة بما يسّر الله لكلّ فرد من قدرة وموهبة وجهد.. ولو في الحدّ الأدنى بنفْخ النّار في زُبر الحديد لتقويّة طاقة اللّهب.

باختصار: علّمهم أنّ التّعاون إحساس بالانتماء للجماعة (أو للدّولة أو الأمّة)، وهو أهمّ حافز يتيح للقائد تجميع القوّى المشتّتة والدّفع بها إلى ساحة مشتركة يقدّم فيها كلّ امرئ مساهمته طوْعًا إذا أحسّ أنه ينتمي لجماعته وأنّ مصيره مرتبط بها سعادة وشقاء ونصرا وهزيمة وأمنا وخوفا.

فنقطة الانطلاق تبدأ بصحوة ضمير مدركة أنّ القدرة على الفعل ممكنة إذا توافق النّاس على التّعاون بقوّة فكر ووحدة صفّ وقوّة ساعد ترابط وتنازل. وتصالح وتسامح. وتوالي وتعادي.. هكذا استثمر ذو القرنيْن الوسائل المتاحة والفرص المتوفّرة ليتخطّى حالة الاتّكال العاجز والإحباط المنتشر والتّوجّس المهين ممّا ينبو والأسى على المفقود بينما الموجود كثير.

وكلّ ذلك من صنيع الفكر المتخلّف الباحث عن الجاهز ليظلّ زبونا مدى الحياة يحلم بابتياع ما يتمّ اختراعه أو تصنيعه أو يبحث عن خرْدة كيرٍ قديم لإعادة ترميمه. فجاء ذو القرنين بفكرة ناضجة نبّهتهم إلى أنّ في أفواه الجماعة من قوّة النّفخ ما يغني عن صناعة الأفران العاليّة: ((حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا)) (الكهف: 96).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!