الرأي

المحنّطون

أرشيف

بالرغم من بعض النيّات الحسنة لدى بعض الجزائريين الذين مازالوا متشبثين بأمل التغيير في كل هياكل الدولة، خاصة ذات البُعد الشعبي التي تتطلب قبول الناس ودعمهم عبر صناديق الاقتراع، إلا أن الطحالب مازالت تعلو كل هذه النباتات الطيِّبة، فتعكّر نموّها وأحيانا تقتلها في مرحلة الجذور.

والصراع الدائر حاليا بحثا عن طرق التوغل ضمن القوائم الانتخابية سواء تحت لواء التشكيلات السياسية أو ضمن مجموعات الأحرار، هو نوعٌ من التلوّن الحربائي الذي يؤكد بأن هناك وصوليين محنّطين لا يريدون الاندثار من الساحة السياسية، وهدفهم الوحيد هو التواجد في البرلمان من أجل ربح مزيد من المزايا، والأخطر من هؤلاء هو أن البعض من الساعين إلى الحصول على مقعد برلماني، إنما هدفهم وراثة المناصب بمزاياها، وليس بمسؤولياتها، وأخذ المشعل الذي لم يشتعل أبدا من الذين قدَّموا على مدار عقدين أو أكثر أردأ ما يمكن أن يتخيله إنسانٌ من وصولية وانبطاح أمام السلطة، والأكيد أن الذي يرث الفسادَ ويسير في أنفاقه المعوّجة أسوأ من الفاسد نفسه.

عندما يقول وجهٌ جديد من الحالمين بالبرلمان بأنه تعب من مشاكل الحياة ويريد الراحة تحت قبة البرلمان، حيث المرتب المحترم والأمان، ويقول آخر بأنه شابٌّ يريد التمرّس في عالم السياسة من خلال دخول المجلس الشعبي الوطني للتعلم، ويقتنع آخر بأن زمنه في لحس القصعة قد حان لتعويض اللاحسين السابقين… فمعنى ذلك أن هؤلاء الساعين لبلوغ البرلمان أو بعضا منهم، إنما هم صورة مصغرة وربما أبشع من الصورة الأولى لطائفة النواب التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه حاليا.

يعلم الطامحون في مقعد المجلس الشعبي الوطني، الذي سيكون في المزاد الانتخابي العلني، في شهر جوان القادم، بأن مسعاهم للترشُّح، من دون أيِّ خسائر وعدم فوزهم أيضا من دون أي خسائر، وحتى بعد التتويج بالانتصار فلن تكون هناك أيُّ خسائر، ما دام التاريخ أبان بأن لا أحد يسأل الجالسين تحت قبة البرلمان عن سنواتهم الخضر كيف قضوها وعن سنواتنا العجاف كيف اقترفوها؟

هناك من يطالب بجرّ كل مُفسد من نواب الغرفتين أو أعضاء المجالس الشعبية البلدية والولائية إلى العدالة وجعل عقابهم مضاعفا، لأنهم خانوا الأمانة ومن منحوهم أصواتهم، ولكن في دول أخرى فإن النائب الذي يقضي مدته من دون أن يعمل أيضا، يعاقَب بحرمانه من المنح التي يتحصل عليها غيره، بل ويعاقَب من التشكيلة السياسية التي مثّلها ولم يكن في المستوى المطلوب.

يقول المثل الياباني: “الخيبة الأولى موجعة أما البقية فهي دروسُ تقوية لا أكثر”.

ويقول الشاعر: وسالت دمعتي يا ليت أني         فنيت ولم أر خيبة رجائي

وكم سيكون موجعا ومسيلا لدموع المواطنين أن يكون اللاحقون مثل السابقين أو ينتهي الأمل بألم، ويتشابه حال النواب والنائبات.. بـ”النوائب” و”النائبات”.

مقالات ذات صلة