-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المخزن.. قمّة العنصرية

حسين لقرع
  • 2504
  • 0
المخزن.. قمّة العنصرية

طالما انتقدنا عنصرية الغرب ومعاملاته المهينة والتحقيرية للآلاف من المهاجرين واللاجئين، يستوي في ذلك الأفارقة والأسيويون من أفغانٍ وسوريين وعراقيين وغيرِهم ممن وُوجهوا بمعاملات فظة وهمجية على حدود شتى الدول الأوربية؛ إذ تُرك أغلبُهم هناك في العراء يواجهون الثلوج بلا أغطية ولا طعام ولا مياه ولا دواء، خلافا للمعاملة التفضيلية التي يحظى بها ملايين اللاجئين الأوكرانيين، بل إنّ هناك تقريرا تركيّا نُشر مؤخرا يشير إلى قيام حرس حدودِ دولةٍ أوربية بإطلاق النار على عشرات اللاجئين العراقيين وقتلهم ودفنهم جماعيا على حدودها…

لكنّ ما فعله الأمنُ المغربي الجمعة الماضية على حدود مدينة مليلية المحتلّة، يندى له الجبين، ويتجاوز ما فعلته دولٌ أوربية عديدة على حدودها في السنوات الأخيرة مع المهاجرين الأفغان والسوريين والعراقيين؛ فلقد تعامل أمنُ المخزن مع المهاجرين الأفارقة بوحشيةٍ وغِلظة وقسوة منقطعةِ النظير، واستعمل ضدّهم قوة مفرطة غير مبرَّرة، ورمى بعضَهم فوق بعض في مشهدٍ غير إنساني اختلطت فيه جثامين عشرات القتلى بأجساد مئات الجرحى الذين حرمهم من العلاج والإسعافات الأولية تسع ساعات على الأقل باعتراف المنظمة المغربية لحقوق الإنسان نفسِها.

قبل بضعة أشهر، كان المغرب يوعز إلى الآلاف من أبنائه وكذا مهاجرين أفارقة بـ”الهجوم” على سبتة ومليلية المحتلتين لاتخاذهم ورقة ضغطٍ على اسبانيا بهدف إجبارها على تغيير موقفها من الصحراء الغربية والانحياز التامّ إلى طرحه المتعلق بـ”الحكم الذاتي”، وبعد أن رضخت اسبانيا لابتزازه وضغوطه بشكل مهين، أصبح المخزنُ الآن يستميت في الدفاع عن “حدود” جارته في سبتة ومليلية ولو أدى ذلك إلى ارتكاب مجزرة مروِّعة بحقِّ عشرات الأفارقة، ليحمي بذلك الاحتلالَ الاسباني للمدينتين، في مشهدٍ غريب يذكّرنا بما تقوم به السلطة الفلسطينية التي تسخّر، منذ سنة 1993 إلى الآن، نحو 70 ألفا من عناصر أمنها لحماية جنود الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية المحتلّة باسم “التنسيق الأمني”!

هذه المجزرة التي تنضح منها روائحُ العنصرية المقيتة والاستعلاء على الأفارقة، دفعت مفوِّضية الاتحاد الإفريقي إلى التنديد، وثلاثةَ بلدان إفريقية إلى طلب عقد جلسةٍ لمجلس الأمن لبحث الجريمة، وكلّ هذه التحرّكات مطلوبة وواجبة، ولكنّ ذلك لا يكفي؛ فما حدث لا يمكن معالجتُه بالتنديدات ثم تُطوى الصفحة وينتهي الأمر.. نرجو أن تدفع الجريمة الدولَ الإفريقية كافّة إلى استخلاص العبر الضرورية، وإدراكِ حقيقة المخزن، ومراجعةِ علاقاتها معه.

لقد رأينا في السنوات الأخيرة عددا من الدول الإفريقية يتخلى عن مبادئه في دعم الحركات التحرُّرية، وينحاز بشكلٍ سافر إلى الطرح المغربي المتعلّق بـ”الحكم الذاتي”، ويسارع إلى فتح قنصلياتٍ له في العيون والداخلة الصحراويتين، في مخالفةٍ صريحة للشرعية الدولية ولقرارات الأمم المتحدة التي تؤكّد أنّ قضية الصحراء الغربية تندرج في إطار تصفية الاستعمار، وينبغي تمكينُ الشعب الصحراوي من حقّه في تقرير المصير من خلال استفتاء ديمقراطي نزيه يختار من خلاله مستقبله السياسي بكلّ حرية. ولعلّ هذه المجزرة العنصرية بحقّ المهاجرين الأفارقة سيدفع هذه الدول وغيرَها ممن بدأت “تتعاطف” مع الطرح المغربيّ إلى مراجعة موقفها.

ربّما كسب المخزنُ من خلال هذه المجزرة ودَّ اسبانيا وحتى الاتحادِ الأوربي الذي يحرص على أن يتحوّل الأمنُ المغربي إلى حرس حدودٍ يقمع موجات الهجرة غير النظامية لآلاف الأفارقة إلى الدول الأوربية انطلاقا من سبتة ومليلية أو السواحل الاسبانية وغيرها، ولكنّه خسر ودَّ الكثير من الدول الإفريقية التي آلمتها هذه الجريمة العنصرية المقيتة والمهينة للكرامة البشرية، العلاقاتُ لن تعود سمنا على عسل كما كانت، وعلى نفسها جنت براقش.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!