الجزائر
بسبب النتائج الهزيلة والنقائص الفادحة.. نقابات وخبراء يؤكدون:

المدارس الخاصة “تبيّض” مسار التلميذ لإرضاء الأولياء!

نادية سليماني
  • 2783
  • 7
أرشيف

لطالما أثارت المدارس الخاصة جدلا في الجزائر، فمنذ صدور قرار فتح الاستثمار أمام الخواص في قطاع التعليم في أكتوبر 2004، والأصوات تتعالى منادية بمراقبة وتنظيم هذا القطاع، في ظل اتساع الهوة بين التعليم الخاص ونظيره العمومي من حيث النتائج المدرسية، لتقارب الصفر أحيانا بالقطاع الخاص، إلا قلة حصدت التفوق. حتّى إنّ الظاهرة جعلت خبراء وأكاديميين يشبهون التعليم الخاص “بالبزنسة والتجارة البعيدة عن المعايير التربوية”، فيما يطالب آخرون بترقية التعليم الخاص ومرافقته بدل مقاطعته.

وضع تصريح الوزير الأسبق للتربية الوطنية، الدكتور علي بن محمد، الأصبع على الجرح، بعدما أكد خلال مداخلته بأشغال الملتقى المغاربي الرابع حول إصلاح التعليم المنعقد بتونس، أن “التعليم الخاص في الجزائر أصبح تجارة وليس تعليما، وأن كل من هب ودب أصبح يفتح مدرسة”.

واستشهد المسؤول بإحصائيات قدمتها وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط، تؤكد فيها نجاح 12 بالمائة فقط من تلاميذ المدارس الخاصة في البكالوريا.

المدارس الخاصة… فيلات بلا تجهيزات تربوية

وفي هذا الصّدد، أكد القيادي وعضو المجلس الوطني للثانويات الجزائرية، زوبير روينة في اتصال مع “الشروق”، أن سعي التعليم الخاص لتحقيق الأرباح المادية على حساب نوعية التعليم المُقدم هو “حقيقة قائمة في مجتمعنا، ولا ينكرها إلا جاحد”، وحتى إن كان الربح هدفًا مشروعًا حسب قوله، لكن “لا يجب أن يطغى على الجانب التربوي والبيداغوجي”، واصفًا ما تقوم به بعض المدارس المملوكة للخواص، بـ “تبييض المسارات التربوية للتلاميذ المطرودين والرّاسبين من المدرسة العمومية، وتضخيم نقاطهم”، وبالتالي فهي تُرضي الأولياء على حساب تعليم أطفالهم، ليظهر مستوى التلميذ الحقيقي بعد ظهور نتائجه النهائية، حين يُصدم الأهل بعلاماتهم الحقيقية، ما يجعلهم يستنجدون مجددا بالمدرسة العمومية، حسب تعبير مُحدثنا.

 كما تطرّق القيادي في “الكلا” لظاهرة غياب الإمكانيات المادية المطلوبة للتعليم لدى المدارس الخاصة، فغالبيتها تؤجر فيلات أو طوابق بعمارة، تغيب فيها ساحات لعب الرياضة ومخابر التجارب العلمية، وبالتالي “فهي غير مهيأة لتعليم التلاميذ، أو هي هياكل بلا روح تربوية”، وعليه ترفض “الكلا” خوصصة التعليم “جملة وتفصيلا.. حفاظا على المدرسة العمومية”.

ولكن السؤال المطروح حسب روينة “لم لا تهتم السلطات بتحسين نوعية التعليم بالمدرسة العمومية عن طريق القضاء على الاكتظاظ وتشييد مدارس جديدة، ورفع ميزانية القطاع، لقطع الطريق أمام التعليم الخاص… أم إن الأمر فيه شك”، حيث يرى المتحدث أن إهمال المدرسة العمومية يفتح المجال واسعا لنشاط وازدهار التعليم الخاص.

وأبدى الرأي نفسه قويدر يحياوي، القيادي في النقابة الوطنية لعمال التربية والتكوين، مُعتبرًا أن كثيرا من التلاميذ يُطردون من المدرسة العمومية بسبب سوء نتائجهم أو بعد إحالتهم على مجالس التأديب بسبب عنفهم وطيشهم مثلا، فتستقبلهم المدارس الخاصة، والأدهى والأمر حسبه، أن هذا التلميذ وبعد تمضيته سنة واحدة مثلا في التعليم الخاص، يعاود التسجيل في المدرسة العمومية ويقبل، بمُبرر “إعادة إدماجه” والقانون لا يمنع هذا.

وبعض المدارس الخاصّة، حسب يحياوي، تحولت إلى مؤسسة تجاريّة تبحث عن رأس المال والأرباح دون أن تنتج شيئا، ليُعقب بالقول: “أصبح الأشخاص يستثمرون في التربية والتعليم، وهذا أمر مرفوض”.

وشدّد قيادي “الأسانتيو”، على أن “مجانية التعليم في خطر ومبادئ الدولة الاجتماعية في خطر في حال لم تراقب السلطات هذا النوع من الاستثمار”.

 المدارس الإباضية أثبتت نجاحها وعلى الدولة مرافقتها

وعلى النقيض ممّا سبق، اعتبر الإطار السابق بالقطاع، بوخطة محمد “أن المدارس الخاصة في الجزائر لديها حسناتها وسلبياتها، إذ لا يجب أن نطلق ضدها أحكاما سلبية بالجملة أو نمتدحها تزلفا”، موضّحا أنّ التعليم الخاص في بلادنا ملتزم بمنهاج وبرنامج المدرسة العمومية، ولكن يُعاب على غالبيته “عدم امتلاكه الإمكانات المادية لضمان تمدرس جيد للتلاميذ، لأنها عبارة عن فيلات مكيفة للتدريس”.

وأردف بأنه من بين هذه المدارس “تلك التي تميزت بحسن أدائها، وقدمت نوعية تعليم جيدة، أخص بالذكر المدارس الإباضية الموجودة عبر كثير من مناطق الوطن”، فهذه المدارس حسب بوخطة “أكثر انضباطا”، ومثلها معهد الحياة بالقرارة بغرداية، الذي يقدم تعليما نوعيا للأطوار الثلاثة، ويتخرج منه طلبة ذوو نوعية.

وبالتالي فالأصل، يقول الخبير التربوي “أن نُحسن ظروف التمدرس بالقطاع العمومي، وأن نشجع المدارس الخاصة لتكون مكملا ومُعينا للمدرسة العمومية”، وأضاف: “القطاع الخاص له حسناته التي يجب تثمينها، وله عيوبه التي لابد من إصلاحها بتوفير ميكانيزمات الرقي بها وتحسين أدائها البيداغوجي، بدل القضاء عليها ومقاطعتها حسب تفكير كثير من المسؤولين عندنا”.

 ويبقى ضمان تمدرس خاص للتلميذ الراسب أو المطرود، أحسن من بقائه عرضة للانحراف في الشارع، حسب تعبير المتحدث.

مقالات ذات صلة