الرأي

المدخلية.. سلفية بديلة أم سلفية معدلة؟

محمد بوالروايح
  • 3852
  • 13
ح.م

“المدخلية” كما تسمى في الأدبيات الحركية نسبة للشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وهي جماعة برغم اختلافنا معها في المنهج والتصور إلا أننا نلتقي معها في الأصول الإسلامية الجامعة التي تتمثل في الرابطة الإيمانية والأخوة الإسلامية، وقد أحجمت مرارا عن الكتابة عن المدخلية رغم إلحاح كثيرين حفاظا على هذا الروابط الجامعة، وحتى أنأى بنفسي من أن أكون غرضا يُرمى ممن لا يقدِّرون الرأي الآخر ويسارعون إلى لغة التجديف والتعنيف، لكن بعض مواقف هذه الحركة التي تتسم في الغالب بالانغلاق وضيق الآفاق، وتبديع الوطنيين والوطنية وتغليب وصف “جماعة السلفيين” على وصف “جماعة المسلمين” الذي عُرفنا به في تاريخنا الإسلامي الطويل جعلني مضطرا لكي أستدرك على المدخلية بعض الفتاوى الشرعية التي أراها مخالفة لروح الاجتماع الإسلامي التي شدّد عليها القرآن الكريم والسنة النبوية وشددت عليها أقوال وأعمال سلف هذه الأمة.
وحرصا مني على الصدقية والموضوعية، فقد آثرت نقل تلك الفتاوى من مصادر المدخلية نفسها وعلى لسان شيخها ربيع بن هادي المدخلي حتى لا أتهم من أي كان من داخل الجماعة أو من خارجها بالتصحيف والتحريف، وحتى تكون الأحكام التي أنتهي إليها أحكاما مبررة وليست وليدة موقف سابق أو رأي سائق.
هناك من ينظر إلى المدخلية على أنها سلفية بديلة، وهناك من ينظر إليها على أنها سلفية معدلة، وفي كل الأحوال فإن الوصفين قد يصدقان معا على الجماعة، وقد يصدق أحدهما وينتفي الآخر، أو قد ينتفي الاثنان معا، وهذا هو الوصف الأخير الذي تتبناه الجماعة التي تزعم بأنها جماعة سلفية أصيلة لا سلفية بديلة ولا سلفية معدلة، ولكن لنرجئ الفصل في ذلك إلى مقال آخر ونكتفي في هذه المرة بإيراد بعض نصائح الشيخ ربيع بن هادي المدخلي التي أسداها كما ورد على لسانه إلى جماعة السلفيين في كل مكان وفي كل زمان.
يقول الشيخ ربيع بن هادي المدخلي: “.. أهدي هذه النصيحة إلى السلفيين في كل مكان وفي كل زمان، أن يتقوا الله عز وجل ويتمسكوا بالكتاب وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسيروا على طريقة السلف في كل تصرُّفاتهم، وأن يتآخوا بينهم وأن يتلاحموا وأن يكونوا “كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، وألا يسمعوا لأي أحد يفرق بينهم كائنا من كان” .
لا نختلف حول هذه النصيحة من حيث ظاهرها لأنها مؤيَّدة بنصوص الكتاب والسنة التي تحث على الألفة ونبذ الفرقة، وتدعو إلى الاجتماع وتحذر من مغبة الصراع، ولكن مقارنة سريعة بينها وبين وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم من شأنها أن توقفنا على الصبغة المذهبية التي تلفها خلافا للصبغة الإسلامية الجامعة للوصايا النبوية؛ فالوصايا النبوية لم يوجَّه فيها الخطاب لجماعة “الأحديين” أو “الصفيين” أو “البدريين”، وإنما وُجِّه فيها الخطاب إلى جماعة المسلمين، ولذلك فإن مخاطبة السلفيين يعدّ ضربا من ضروب المذهبية، وهذا ما تدل عليه نصوص الجماعة وينطق به واقعها حتى لو ادّعى المدخليون بأن دعوتهم خلاف ذلك وبأنها ليست مذهبا بل امتداد للمنهج السلفي.
جميل أن ينصح الشيخ المدخلي أتباعه بالتمسك بالكتاب والسنة والسير على منهج السلف ونبذ التفرق ومناهضة المفرِّقين، ولكن بعض الإشارات التي توحي بها بعض العبارات يُفهم منها أن من عداد المفرِّقين المقصودين، المخالفين لهم من التيارات الإسلامية الأخرى، وهنا لا نجد بدا من ضم رأينا إلى رأي بعض المفكرين المسلمين والمهتمين بالحركة السلفية، بأن السلف والسلفية هي منهج المسلمين جميعا، وهي قبل هذا المنهج الذي امتدحه الصادق المصدوق بقوله: “خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم”، فمذهب السلف ليس ملكا لأحد ولا حكرا على جماعة، وليس لأحدٍ أن يدَّعي انتسابه إليه ونفيه عن غيره مادام أن الكتاب والسنة هو المعين الذي يستقي منه الكل ويرجع إليه الكل، فهناك فرقٌ بين السلفية الحقيقية والسلفيات الحركية القائمة التي من بينها السلفية المدخلية.
ويوجه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي نصيحة إلى “الإخوة السلفيين” في الجزائر فيقول: “نصيحتي هذه إلى إخواننا وأبنائنا من طلاب العلم السلفيين وغيرهم أن يتآلفوا ويتكاتفوا حتى يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى”، وأحذرهم من المفرِّقين، كائنا من كان المفرِّق، أحذرهم ألا يسمعوا لهم أبدا، ويلتفوا حول شيوخهم المشهورين، فركوس ومن معه وعز الدين، ولا يسمعوا لمن يريد أن يفرِّقهم كائنا من كان”.
إن النهي عن الفرقة وتشديد النكير على المفرِّقين هو واجب المسلمين جميعا، ولكن أخشى أن يكون المقصود من “المفرِّقين” بعض جماعة المسلمين، أو ثلة من العلماء الداعين إلى العودة إلى صفاء الدين ووسطية الإسلام ممن ينعتهم الشيخ المدخلي بـ”الوطنيين” و”العنصريين” و”الحزبيين” كما جاء في هذه النصيحة: “.. فأنصح الإخوان السلفيين عموما بالتآخي في الله والتحاب في الله والتواد في الله عز وجل والتمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريقة السلف الصالح واحترام العلماء سواء من الجزائر أو غيرها، فإن الاقتصار على علماء ذلك البلد ورفض كلام الآخرين عنصرية وحزبية ووطنية فليتقوا الله ويتركوا هذه الأساليب وليحترموا المنهج السلفي وإخوانه ويحترموا العلماء ولو كانوا من أقصى الصين ماداموا يقولون كلمة الحق وينطلقون من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهم السلف الصالح “. خطاب للسلفيين بهذا التخصيص يخالف الآية القرآنية: “إنما المؤمنون إخوة”، فليت شعري كيف يستبدل الشيخ جماعة السلفيين بجماعة المؤمنين، ويخص بخطابه السلفيين دون غيرهم أو يبدأ بهم ثم يثني بغيرهم من المسلمين؟ وما حكاية الجمع بين العنصرية والحزبية والوطنية؟ هل أضحت الوطنية بدعة؟ وهل أضحى الوطنيون دعاة على أبواب جهنم؟ هذان السؤالان نجد جوابا عنهما في فتوى غريبة للشيخ ربيع بن هادي المدخلي يفتي فيها بأن نشيد قسماً “شِرك؟!” يقول: “.. هذا لا يجوز، لا يجوز تحيّة العَلم بهذا، فالقسَم لا يكون إلا بالله، هذا شركٌ بالله، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت”، لا يجوز الحلف بمثل هذا بأي حال من الأحوال، وللشاب أن يتأخر عنه ويصبر على الأذى ولو فصل لمثل بمثل هذا فهو على خير”!
أليس من الطوام أن يصل الأمر إلى الطعن في النشيد الوطني الجزائري والتحريض على العصيان الاجتماعي بدعوى أن هذا النشيد يتضمن قسما بغير الله سبحانه وتعالى؟ هل غابت هذه المعلومة عن ذهن مفدي زكريا؟ وهل يُطعن بموجبها في إسلامه وإسلام أبي القاسم الشابي أيضا حين أنشد: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدَّ أن يستجيب القدر؟ أليس في لغتنا وبلاغتنا العربية سِعة وثراء يجعل اللفظ يحتمل أكثر من معنى وأكثر من تأويل؟ أليس للقسم في الشرع الإسلامي صيغة معروفة وشروط محددة وهي بيقين ليست متحققة في هذا النشيد؟
وأختم هذا المقال بما قاله فخامة رئيس الجمهورية وهو يشدد على سلفية الأمة الجزائرية بالمفهوم الصحيح وليس بالمفهوم المذهبي المتداول فيقول: “..كانت بلادي يا زمان عزيزة بمجاهديها وشهدائها ورجالاتها، وإذا بالله ابتلانا بما لا نعرف ومن حيث لا ندرك وأصابنا بمصيبة كبيرة في أغلى وأعز ما نملكه في هذا الوطن وهو الدين الحنيف فجاء من يجدد للسلفية، فكلنا سلفيون ولكن ليس بهذا المفهوم المطروح على الساحة الدولية أو على الساحة الجزائرية بصفة خاصة، لا يهمنا ما يجري في أماكن أخرى، الذي يهمنا هو ما يجري في الجزائر”.

مقالات ذات صلة