-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المسلم النّاجي لا الفرقة النّاجية

سلطان بركاني
  • 1586
  • 2
المسلم النّاجي لا الفرقة النّاجية

لعلّ من أكثر الوصايا التي كرّرها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لأمّته، وأكّدها بكلّ وضوح في حجّة الوداع: لزوم الجماعة واجتناب الفرقة والحذر من نزغات الشيطان في التحريش بين عباد الله، وعندما سأله حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قبل ذلك في مناسبة أخرى عن سبيل النّجاة من فتن آخر الزّمان، قال: “تلزم جماعة المسلمين وإمامهم”، قال حذيفة: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: “فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك” (البخاري).

أوصى الحبيب الشفيق -عليه الصّلاة والسّلام- كلّ مسلم بأن يعتزل الفرق كلّها ويعتصم بأصل الشّجرة، ولا خلاف في أنّ الشّجرة هي الإسلام، الدين الذي ارتضاه الله لعباده جميعا، وسمّاهم به: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾ (سورة الحج).. وهو الدين الذي عاش عليه الأنبياء جميعا، وكانوا يدعون الله -جلّ وعلا- أن يحييهم ويميتهم عليهم؛ فهذا نبيّ الله إبراهيم -عليه السّلام- قال الله عنه مولاه سبحانه: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ (البقرة).. ومثله نبيّ الله يوسف -عليه السّلام- دعا ربّه فقال: ((رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)).

الإسلام هو الطّريق الذي أوصانا ربّنا -تبارك وتعالى- بأن نسير عليه ونلزمه ولا نخرج عنه أبدا، حتّى نلقى الله -جلّ وعلا- غير مبدّلين ولا مغيّرين. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران). والإسلام هو السّبيل الذي أوصانا شفيعنا المصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- بأنْ نلزمه ونحذر السّبل التي تخرج عنه يمنة ويسرة، فقد خط -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه يوما خطا بيده ثم قال: “هذا سبيل الله مستقيما”، وخط خطوطا عن يمينه وشماله، ثم قال: “هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه”، ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام: 153).

وزيادة في التأكيد، أوصى الشّفيع -عليه الصّلاة والسّلام- كلّ مسلم بأن يدعو الله دبر كلّ صلاة بأن يحييه مسلما ويميته مسلما، فقال صلوات ربّي وسلامه عليه: “إذا صلى أحدكم فليقل: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم إني أعوذ بك أن تصد عني بوجهك يوم القيامة. اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم أحيني مسلما وأمتني مسلما”.

لم يوص المولى -تبارك وتعالى- عباده بأن يحيوا ويموتوا سلفيين أو إخوانا أو أشاعرة أو شيعة أو صوفية، إنّما أوصاهم بأن يحيوا ويموتوا مسلمين.. ولم يربط سبحانه النّجاة في الآخرة بالانتساب إلى هذه الطّائفة أو تلك، إنّما ربطها بتقواه سبحانه: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ (مريم).. هذه هي طريق النّجاة: تقوى الله والخوف منه في السرّ والعلن. وهكذا حبيبنا الشّفيع -عليه الصّلاة والسّلام- لمّا سأله عقبة بن عامر -رضي الله عنه- عن سبيل النّجاة، لم يقل له عليك بالفرقة الفلانية أو العلانية، إنّما قال له: “أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك”.

لهذا، إذا اختلطت على العبد المؤمن الأمور ووجد كُلاًّ يقول له: طائفتي هي الفرقة الناجية، فليتذكّر أسئلة القبر الثلاثة؛ عن أيّ شيء يسأل العبد إذا وضع في قبره؟ هل سيسأله الملكان عن الطّائفة التي كان يتبعها ويتعصّب لها ويوالي ويعادي عليها؟ هل سيسألانه عن الشّيخ الذي كان يتّبعه ويمتحن النّاس به؟ في قبره سيسأل أسئلة ثلاثة لا رابع لها: من ربّك؟ ما دينك؟ ومن هذا الرّجل الذي بعث فيكم؟

بعد ذلك، في يوم القيامة، لن يحشر أحد مع طائفته، إنّما يحشر كلّ عبد مع دينه وعمله: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾.. يوم تتطاير الصّحف لن يجد العبد في صحيفة حسناته أنّه كان سلفيا، أو في صحيفة سيئاته أنه كان إخوانيا أو أشعريا أو صوفيا.. يوم يقف العبد الذي أسرف على نفسه وغفل عن الميعاد أمام الميزان، لن تنجيه بطاقة مكتوب فيها سلفيّ أو إخوانيّ أو أشعريّ، إنّما نجاته ببطاقة مكتوب فيها “لا إله إلا الله”.

بعد ذلك، لن ينادى في الناس: أين السلفيون؟ أين الإخوان؟ أين الأشاعرة؟ أين الصّوفية؟! وإنّما سينادى: أين المتقون الذين كانوا يخافون الله بالغيب، ليساقوا إلى الجنّة زمرا.. ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾.. عند الوقوف أمام الجنّة؛ لن نجد هناك بابا اسمه باب السلفيين، ولا بابا اسمه باب الإخوان، ولا بابا اسمه باب الشيعة، ولا بابا اسمه باب الأشاعرة، ولا بابا اسمه باب الصوفية! هناك ثمانية أبواب، ليس بينها باب بإحدى التسميات السابقة. هناك باب الريان للصّائمين المكثرين الذين يجدون لذّتهم في الصّوم صيفا وشتاءً، وباب الصلاة للمصلين الخاشعين القانتين المكثرين الحريصين على صلاة الجماعة وتكبيرة الإحرام، وباب الجهاد للمجاهدين الذين يبذلون المهج والأرواح والأموال لنصرة دين الله، وباب الصدقة للأسخياء الذين يبذلون أموالهم طيّبة بها أنفسهم لبناء بيوت الله وإعانة الفقراء والمساكين والملهوفين، وهناك الباب الأيمن يدخل منه المؤمنون الذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربّهم يتوكّلون، وهناك باب لا حول ولا قوة إلا بالله يدخل منه من استعانته بالله وحده، وهناك باب الوالد يدخل منه من يبرّ والديه ويحسن إليهما ويخفض لهما جناحه، والباب الثامن باب الكاظمين يدخل منه من يملكون غضبهم ويكظمون غيظهم.. هذه هي أبواب الجنّة، والمقام عند الله هو بالأعمال وليس بالأسماء والانتماءات.

فيا شباب الإسلام؛ عندما يقال لكم إنّ هذه الفرقة هي الناجية، فانظروا إلى حالها، وستجدون أنّها افترقت بدورها إلى فرق وطوائف متناحرة، كلّ منها تزعم أنّها الفرقة الناجية، وكلّ منها تقول إنّها تمثّل الإسلام الصّحيح وتلزم ما كان عليه النبيّ وأصحابه! وتبدّع الفرق الأخرى التي اختلفت معها في قليل أو كثير.

يا إخواني الشّباب، احذروا التعصّب للطوائف. احذروا أن يغرّر بكم مغرّر فتنتقلوا من سعة الإسلام ورحابته إلى ضيق الطّوائف. من أراد أن يكون سلفيا على أساس أنّ السلفية مذهب إصلاحيّ، فليكن سلفيا من دون تعصّب للطّائفة، ولينأ بنفسه عن فتنة الطّعن في العلماء والدّعاة والأئمّة، ولا يقل للنّاس إنّ السلفية هي الإسلام وهي وحدها الفرقة الناجية، ولا يعقد الولاء والبراء والحبّ والعداء على السلفية.. وهكذا من أراد أن ينتسب إلى الإخوان على أساس أنّ الإخوان مذهب إصلاحيّ دعويّ فله ذلك، لكن لا يقولنّ للنّاس إنّ الإخوان هم الفرقة الناجية، ولا يعقد الولاء والبراء والحبّ والعداء على الإخوان… وهكذا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • الحسن المجتبى شريف الحيدرة

    ماشاء الله والله منذ سنوات أنا أبحث عن هذه المقال، جزاكم خير الجزاء، أريد المزيد ياأخي العزيزي

  • نحن هنا

    أحسنت أحسن الله اليك