الرأي

المظهرية الجوفاء

سلطان بركاني
  • 1462
  • 2

عندما سئلت المستشارة الألمانية السّابقة “أنجيلا ميركل” عن سرّ عدم اهتمامها بمظهرها وتنوّع لباسها، قالت إنّها تقلّدت المسؤولية ليس لتكون عارضة أزياء، وإنّما لتكون خادمة لشعبها..

هذا الفهم يبدو أنّه قد غاب عن كثير من نساء العرب والمسلمين، اللاتي ترى من تقلّدت منهنّ منصبا أو وجّهت إليها الكاميرات والأضواء أنّها ينبغي أن تبهر النّاظرين بمظهرها وتنوّعِ لباسها وكثافة الأصبغة التي تضعها، وليس بما تُقدّم في ذلك المنصب، أو بما تنشر من علم وفكر!
هذا المنطق المنكوس لم يعد خاصّا بمن تتقلّد منصبا رفيعا، بل عمّ جلّ النّساء إلا من رحم الله منهنّ، حين غدت المرأة لا تخرج من بيتها حتى تقضي وقتا طويلا أمام المرآة وأمام عشرات الأنواع من الأصبغة والمساحيق والألوان، لتخرج في النّهاية وقد ضمّخت ثيابها بعطور تشمّ على بعد عشرات الأمتار، ووضعت على وجهها طبقات من الأصبغة والمساحيق، تجعلها تتصرّف كممثّلة، وتَحول بينها وبين واجباتها الدينيّة وكثير من واجباتها الدنيويّة أيضا.

العجيب في أمر كثير من هؤلاء النّسوة المتعبّدات للمظاهر أنّ الواحدة منهنّ تهتمّ بمظهرها كلّما أرادت أن تخرج من بيتها لتزاحم الرّجال في الشّوارع وفي مكان العمل، لكنّها تُهمل مظهرها في بيتها أمام زوجها، وربّما تجيبه إن هو احتجّ على ذلك قائلة: ولماذا أتزيّن لك؟ أنت لستَ غريبا عنّي؟! وما يدعو إلى الحيرة لسلوكهنّ أيضا أنّ الواحدة منهنّ ربّما تسخر من النّساء المحجّبات التّفلات (اللاتي يخرجن من دون أصباغ أو عطور)، وتتهمهنّ بأنّهنّ يبالغن في الاهتمام بالمظهر، وإذا ما سئلت عن سبب رفضها لبس الحجاب أو تلاعبها به، قالت: إنّ الدّين ليس مظاهر! مع أنّ جلّ همّها هو أن يعجِب مظهرُها النّاظرين!

الطّامّة الكبرى أنّ ظاهرة الإغراق في العبودية للمظاهر، تسلّلت من النّساء إلى الرّجال، خاصّة العاملون منهم في الأوساط الفنية والإعلاميّة، حيث أصبحنا نرى على شاشات القنوات رجالا قد دهنوا الشّعور ووضعوا الملمّعات، وربّما المحمّرات، وكأنّهم سيخرجون أمام الشّاشات لعرض الأزياء وليس لعرض أفكارهم وإبداعاتهم أو على الأقلّ تنوير مشاهديهم بمستجدّات الأخبار، وهو السّلوك الذي بدأ يتسرّب إلى واقع بعض الشّباب الذين يميلون إلى الرّعونة والنّعومة في مظاهرهم.

طبيعيّ أن يهتمّ الرّجل المسلم بمظهره، وطبيعيّ ومقبول أن تهتمّ المرأة المسلمة بمظهرها مادام هذا الاهتمام منضبطا بأحكام الشّرع، لكن أن يصبح المظهر هما أكبر من أيّ همّ آخر، وتنفق الأموال الطّائلة على الألبسة التي تتبدّل من فصل لآخر، وعلى المساحيق التي تصبح أهمّ من أيّ شيء آخر، فالأمر يدعو إلى المراجعة، وتحكيم العقل.

الأمم من حولنا بدأت تتحرّر من العبودية للمظاهر الزّائفة الخادعة، وتعود إلى فطرتها، ونحن نصرّ على المضيّ قدما في طريقٍ حادَ عنها عقلاء البشريّة، حينما علموا أنّها تتناقض مع الغاية الأسمى من وجود الإنسان على ظهر هذه الأرض، وتحرمه العيش بطبيعته وفطرته.

إنّه قد آن الأوان لأن نحكّم ديننا وعقولنا ونكفّ عن الغلو والإيغال في الاهتمام بالمظاهر الزّائفة.. من أراد أن يصنع له مجدا فليصنعه بالفكر النّافع والكلام الهادف والمواقف المؤثّرة؛ بلسانه ويده، وليس بمظهره.. قديما قال سقراط لأحد المهووسين بالمظاهر: “تكلّم حتى أراك”، ونحن الآن نقول: تكلّم أو اكتب أو أبدع حتى نراك.

مقالات ذات صلة