-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المعرفة والعمل الدبلوماسي: تجربة شخصية

المعرفة والعمل الدبلوماسي: تجربة شخصية

تعتبر العلاقاتُ الثنائية إحدى أهم مجالات العمل الدبلوماسي بل ولعلّي لا أبالغ إن قلت إنها هي الهدف الرئيسي من إنشاء السفارات والممثليات في البلدان المختلفة.
هذا الهدف السامي، وإن بدا سهلاً للوهلة الأولى، إلا أنه – في الحقيقة – يحتاج إلى عدد من الأدوات والآليات وعلى رأسها الدراسة الأكاديمية والقراءة المستفيضة والخبرة العميقة، والتي إن اجتمعت ستساهم حتماً في إنجاح مهمة السفير، غير أن ثمّة عامل مهم جداً لا بد من توافره أيضاً وهو المعرفة، وتحديداً المعرفة الميدانية.
كسفير، تشرفتُ بخدمة بلادي لدى عدد من الدول، يمكنني القول إن هذا النوع من المعرفة لا يأتي إلا عبر التعامل المباشر للسفير مع كافة قطاعات وشرائح البلد الذي يُمثل بلاده فيه، وحتى أكون أكثر وضوحاً، فإنني أودّ أن أُدوّن هنا وعلى عجالة تجربتي الشخصية وكيف لمستُ بنفسي العلاقة الطردية بين المعرفة والعلاقات الثنائية، فكلما زادت المعرفة الميدانية، كلما أصبحت الطريق أكثر تمهيداً نحو تحقيق الهدف.
منذ بداية مسيرتي المهنية كموظف تدرج في السلك الدبلوماسي، اعتبرتُ أن أهم أدواتي لتحقيق النجاح في مهمتي هي المعرفة العلمية والعملية، وأنه يجب أن تكون لها كل الأولوية، ولذلك كنتُ كلما تشرفتُ بخدمة بلادي في أي دولة، فإنني كنتُ لا أكتفي بالقراءة المستفيضة عنها، وإنما كنتُ أركزُ بشكل دائم أيضاً على القيام بزيارات ميدانية مباشرة إلى كافة أقاليم تلك الدولة والالتقاء بالمسئولين الحكوميين وغير الحكوميين فيها، ومعاينة عاداتها وتقاليدها عن قرب، واستطلاع الفرص الاستثمارية فيها، الأمر الذي أدى بمرور الأيام إلى تشكل خبرة تراكمية وقاعدة معلومات راسخة ساهمت في إثراء إمكانياتي كسفير يسعى إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين بلاده والدولة المضيفة. لقد أثبتت لي هذه التجربة الطويلة والشيقة صحةَ اختياري للمعرفة كوسيلة ناجحة في التأسيس للعلاقات الثنائية المثمرة والبناءة.
وليسمح لي القراء الكرام أن أكتفي في هذا المقال القصير بالتطرق إلى الجزء الأحدث من تجربتي والذي تقع مُجرياته في الجزائر الشقيقة، فقد قدمتُ إليها سفيراً لمقام خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – وحرصتُ منذ اللحظة الأولى وبالكثير من الشغف والاهتمام أن لا أفوت أية فرصة لتحصيل المعرفة الميدانية والتمكن من قراءة تفاصيل الحياة الجزائرية، فتعددت زياراتي إلى المدن الجزائرية العريقة والتي كان من أهمها وهران وقسنطينة وبشار والمنيعة وغيرها.
في هذه المدن الجميلة، ازددتُ معرفةً بالهوية الجزائرية العريقة بجميع تفاصيلها ومكوناتها المتمثلة في كرم الضيافة والاعتزاز بالانتماء إلى الأمتين العربية والإسلامية، وأدركتُ أيضاً الكم الكبير من نقاط الالتقاء الممكنة بين المملكة والجزائر، بل وعلى أكثر من صعيد.
يوماً بعد يوم ومع ازدياد المعرفة لديّ عن الجزائر وشعبها، أزداد قناعة أن الاستثمار في العلاقات الثنائية السعودية – الجزائرية هو استثمارٌ رابحٌ أخلاقياً وإنسانياً وثقافياً واقتصادياً، وأن الوقت لم يفت بعدُ للمضيّ قدماً في استراتيجية التقارب الثنائي وتحقيق طموحات الشعبيْن الشقيقين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!