الملتفون حول لحوم الشاة
المتتبع للمشهد الإعلامي العربي في الآونة الأخيرة يلاحظ ممارسة تعدّت الحريات إلى التعدّي على الحريات، وديمقراطية ألغت ديمقراطية الآخرين، وجرأة بلغت أحيانا درجة الوقاحة من أشخاص كانوا يُنظفون ذيل الشاة ويلتقطون برازها وبمجرد أن سقطت على الأرض حتى تبنّوا ذبحها وسلخها وصاروا يأكلون لحومها ويجترّون….
-
فالفضائيات المصرية التي كانت تُدلّع جميعها من دون استثناء الرئيس المصري السابق حسني مبارك بكلمة “الريّس” صارت تُفطر وتتسحر على موائد مستديرة تلتهم سيرته التهاما، وكبار سوريا الذين أمدتهم السلطة بالدعم حتى يمثلوها ثقافيا وعلميا وأمدوها بالدعم والمساندة صاروا يكشّرون عن أنيابهم للأسد ولأتباعه .. ومن الحوارات التي قدمتها قناة المحور المصرية مع محامي أراد امتطاء الثورة أن الضيف قام بوصف الفنان الذي كان هو نفسه يحضر مسرحياته والقناة تتوسل استضافته وهو عادل إمام بالكلب وهو التصريح الذي هلّل له المشاهدون من كل بلاد العرب رغم أن هؤلاء المشاهدين من دون استثناء هم من جعلوه زعيما ومنحوه الشهرة التي ما كان يحلم بها وهو يضحك على أذقانهم بـ”مدرسة المشاغبين” و”شاهد ماشافش حاجة” والزعيم فيستقبله الرؤساء والملوك جميعا من دون استثناء كما يستقبلون كبار العالم وكما لا يستقبلون أبناء شعبهم من البسطاء ومن العلماء ويتزاحم أفراد الشعب على مشاهدته، حتى أن هذا الفنان الذي يقال بأنه سيعتزل قريبا بعد أن ضحك علينا وضحكنا له وضحكنا على أنفسنا أقسم مرة بأنه متأكد بأن لا منزل في العالم العربي لا يحتوي على شريط أو قرص لأفلامه ومسرحياته ولا نظن أن الضاحك مُجبر على صوم ثلاثة أيام بسبب قسمه لأنه كان صادقا فعلا لأول مرة في حياته.
-
لقد شاع دائما أننا أمة ردود الفعل حيث لا يكاد حتى علماء الدين عندنا أن يتحركوا أو يقولوا إلا بعد أن يفعل ويقول الآخرون، لكننا الآن وبعد الثورات التي كان بعضها تلقائيا من صنع الشعب نفسه والبعض الآخر من صنع الخارج، صرنا أمة تُغيّر جلدتها بين عشية وضحاها وتلك أخطر صفات البشر على الإطلاق، فالذين انتقدوا المتظاهرين أنصار مبارك أمام باب المحكمة التي شهدت جرّ الرئيس المصري للمحاكمة نصرة له وتنديدا بمحاكمته عليهم أيضا أن ينتقدوا الذين تظاهروا مطالبين بإعدامه لأن الكثير منهم كانوا إلى جانب الرئيس وكانوا يهتفون بالروح وبالدم فداء له على وزن المواطن المصري البسيط والعربي عموما الذي كان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي يستمع لشريط غنائي لأم كلثوم فيهلّل ويبكي، ثم يستمع لشريط تلاوة وترتيل لعبدالباسط عبد الصمد فيهلل ويبكي ثم يستمع لشريط من خطاب لجمال عبد الناصر فيهلّل ويبكي حتى صارت حياتنا أشبه بالمخدر الذي ينقلنا في لحظات من عالم إلى عالم آخر يناقض الأول بعيدا عن الواقع الذي من المفروض أن نعيشه.
-
ما حدث في مصر وتونس ويحدث في سوريا وليبيا وسيحدث أيضا في بقية البلدان العربية هو نتاج سياسات عاطفية وأحيانا نفاقية تورّط فيها الحاكم والمحكوم لا شيء فيها مبني على القناعة، لأجل ذلك يتحول السياسي عندنا في الجزائر مثلا من حزب إلى حزب آخر وأحيانا إلى أحزاب أخرى، وقد تتحول لجان المساندة جميعها إلى معارضة، وكل شيء متوقف على حالة الشاة .. وفقط؟