-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الممنوع في الحبّ المخدوع !

جمال لعلامي
  • 2853
  • 0
الممنوع في الحبّ المخدوع !

فجأة، اجتمعت الطبقة السياسية، سلطة ومعارضة، حكومة وأحزابا، على طاولة واحدة، ليس من أجل مبادرة الإجماع أو الوفاق أو حتى الاتفاق، ولا من أجل توزيع النفاق والشقاق، ولكن لإحياء “عيد الحبّ” لمخترعه القديس سان فالنتان، المصادف ليوم 14 فيفري من كلّ عام.

وفي “عيد العشاق” وافقت الحكومة الأحزاب، على شاكلة “وافق شنّ طبقة”، وهما اللذان لم يلتقيا علنا وجهرا في أعياد الفطر والأضحى ونوفمبر والاستقلال، بسبب خلافات عميقة وقطيعة مستمرّة من عشرات السنين، بسبب التناقض في اقتسام “الغنائم” والتمثيل على الشعب بدل تمثيله داخل الوزارات والبرلمان والمجالس “المخلية” التي يؤلفها بالقسطاس هؤلاء وأولئك  !

..وعلى طاولة محاصرة ومكدسة بورود الفلّ والياسمين، جلس “المتناحرون” يتبادلون رسائل الغزل وقصائد الحبّ المهرّب من زمن الحرب، وظهر على المتخاصمين المتحاّبين حبّا لم يظهر على “قيس” ولا على “ليلى”، وهم يرددون بكلّ قناعة أن الحبّ أفيد لهما من “العشق الممنوع” !

وخرج الطرفان بعد جلسة حبّ وندم واعتراف، ببيان مشترك، أكدا فيه لـ “شعيب الخديم”، أنهما ندما على سنوات عجاف ضيعوها على المناداة والمغالاة والتعارض حتى في طريقة استنشاق الأكسيجين ومضغ الخبز وارتشاف فناجين الشاي والقهوة !

وفي هذا البيان التاريخي، شكرت الطبقة السياسية، القدّيس فالنتان، على اختراعه واكتشافه الذي كان فيه خيرا لها وأنعمها بحبّ أنهى الحرب وعدوى “الجرب” التي فصلت بين أطيافها وأثارت الثائرة بين أبنائها وضيّعت عليها الكثير من الخير !

كما اتفقا الطرفان في “صلح فالنتان” على إحياء “عيد الحب”، كل سنة، وتطوير هذا الحبّ وطيّ صفحة الماضي، مع الاتفاق أيضا على عقد تجمعات ومؤتمرات صحفية، لشرح أهداف هذا الحبّ المتأخر والمطبق بأثر رجعي، حتى لا يختلط الحابل بالنابل، وحتى لا يفسره “أعداء الحبّ” بما ليس فيه وتلوينه بألوان قوس قزح !

وتبعا لآثار الحبّ الذي سيتقاطر على الطرفين، حذرت الطبقة السياسية من حبّ قد يكون من طرف واحد: إمّا من الحكومة فقط، وإمّا من الأحزاب فقط، بما يُفشل مساعي ربط حبال الودّ والحبّ بين متخاصمين يمسكون “الموس من القطع” وكلّ منهما حاول “ذبح” أو على الأقل جرح الآخر !

ومن بنود “اتفاق الحبّ”، استفادة كلّ أطراف المجتمع وكلّ القطاعات من غنائم ورائحة هذا الحبّ، وذلك بإعلان حزمة من القرارات والإجراءات الشعبية، أهمها رفع الأجور وخفض الأسعار وإسكان كلّ طالبي السكن وتشغيل كلّ البطالين أو استحداث منحة شهرية لكلّ من لا يشتغل وتزويج كلّ الأوانس والعوانس وكلّ الشباب والشيّاب، العزاب منهم والمتزوّجين !

..”عيد الحبّ” بين الحكومة والأحزاب أعاد الأمل للمحتجين والغاضبين، وزرع اليأس والقنوط والقنطة وسط البزناسية والسماسرة والمضاربين واللوبيات، فهذا الحبّ يعني الاتفاق “على راس” كلّ هؤلاء بما يقطع رزقهم ومصادر تموينهم وتمويلهم بالصفقات والدعم المستفاد منه تحت الطاولة !

وبعد هذه “الصفقة”، عفوا، الاتفاق، التقت الطبقة السياسية في مأدبة حبّ للتعبير عن المكبوتات وطلب صكوك الغفران وتبييض القلوب بعد ضغائن وأحقاد وتصفية حسابات واساءات لم تنفع البلاد والعباد، وتقرّر جعل الحفلة مفتوحة والدعوة إلاّ لمن أبى واستكبر !


كما تقرّر بالإجماع إلحاق يوم 14 فيفري بأجندة الأعياد، وعدم التعامل معه كالتعامل مع عيد الشجرة وعيد المرأة وعيد الطفل، وغيرها من الأعياد المنسية، على أن تـُصرف منحة لكلّ مغنّ يغني على حبّ السياسة، إضافة إلى إعلان مسابقة حول الإبداع في الحبّ !

..وفجأة، ودون سابق إنذار، خضتني و”مخضتني” أيد بطريقة عنيفة، ولم أسمع كلاما في الحب، وإنما ضربات تعلمني بأنني نمت كثيرا ولم أستفق وقد فاتني وقت التوجه إلى العمل..حينها استيقظت مفزوعا مرعوبا مرتبكا، وأدركت أن الكابوس “دارها فيّا”، فرميت “الزاورة” ولساني يردّد: “أعوذ بالله من الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس”، وعلمت أن الحبّ بين الطبقة السياسية ما هو في الحقيقة سوى حلم جميل، يبدو أنه لن يتحقق إلاّ في اليقظة ! ..فالله يجعل الخير، اللهمّ آمين.       

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!