-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الموت غرقًا أو حرْقًا..!

الموت غرقًا أو حرْقًا..!

نهاية “شيخ المطمر” في غليزان كانت صادمة ومأساوية إلى أبعد الحدود، ربّ أسرة بلغ من العمر عتيّا، يختار الرحيل عن دنيا الأحياء بطريقة مؤلمة، بعد 62 عامًا، ذاق خلالها كل أصناف المرارة والحرمان.

الرجل ترك أرملة مكلومة وأطفالاً أيتامًا، وعائلة تكابد مصابها الجلل، لم يفكّر في وجعهم ولا في ولع فراقه لهم، لأن قلّة اليد، وظلم المسؤولين المحليين، حالت دون تحقيق أحلامهم البسيطة في بيت يأوون إليه من حرّ الصيف وقرّ الشتاء، وحينما استبدّ به اليأس القاتل، لم يجد أمامه سوى لترٍ من البنزين، سكبه على جسد منهك من نكد الحياة القاسية، وفي لحظات من الاحتراق استحال إلى لحم مفحّم!

آه من شرّ القنوط حينما تُوأد الأحلام المشروعة للإنسان، فتنقطع به سبل الحياة وتدلهمّ في وجهه الآفاق، فسيلك أيسر الطرق وأهلكها للخلاص من عذاباته الأبديّة!

هل صار قدر المحرومين في بلدي أن يختاروا ما بين الموت غرقًا في عرض البحر، أو يلفظوا أنفاسهم حرقًا فوق الأرض.. وأيّ أرض، إنها مهد الجهاد وموطن الشهداء؟!

منْ أسعفه شبابه شقّ عباب البحر، لا يلوي خلفه، مغامرًا ينشد بلوغ الضفّة الأخرى، لا يأبه بمصيره المجهول، هل ينتهي إلى جنّة موعودة؟ أم يهوي إلى عمقٍ سحيق في قاع البحار، فيكون لقمة سائغة في بطون الحوت!

ومن بطّأ به عجز الشيخوخة المُقعد وجد في نار البنزين ملاذه المتاح للراحة من عناء ونصب!  

شيخ غليزان عمرُه بعمر ثورة الجزائر، عاش أحداثها طفلاً بريئًا، يطرب بحكايات الثوّار الأشاوس، ويرقب بعيون الصغار الوجِلة تحركات عساكر الاحتلال، لكن الأمل ظلّ يحدوه في جلاء المستعمِر، حتى يرقص مثل كل أقرانه في عرس الاستقلال، قبل أن ينتقل من حياة الضنك التي فرضها الاستعمار إلى نعيم الكرامة التي بشّر بها الثوّار!

لكن المفارقة العجيبة أن يحرق المسكين بدنه قبل أيام، والبلاد تعيش على وقع الاحتفالات المخلّدة لعيد الثورة، تلك الملحمة التي غنّى لها صغيرا ثم بكاها دمًا وهو كبير، ليفارق الوطن في أبشع صور تعذيب الذات المقهورة!

لا ينكر إلا جاحد جهود الدولة الجزائرية في تجسيد الأبعاد الاجتماعية ضمن سياساتها العموميّة، ولكن في الوقت نفسه، لا يجهل إلا مكابر مقدار التعسّف والمحسوبية والمحاباة والزبونيّة في توزيع السكنات وقطع الأراضي ومناصب العمل وحرمان ذوي الحاجات من حقوقهم المشروعة!

عندما يحرق شيخٌ في عقده السابع نفسه، بسبب الحرمان من السكن الاجتماعي، وهو في أرذل العمر، فليس معنى ذلك تقاعس الدولة عن التكفل بأمثاله، بل لأنّ هناك مسؤولين يتصرفون في إدارة الشأن العام بمنطق الملكية الخاصّة، فيتكرمون بسخاء على من يشاؤون، ويصدّون عن أبواب مكاتبهم منْ لا فضّة عنده ولا ذهب!

لقد شرّع القائمون على مصالح العباد منذ الاستقلال في هذه البلاد، أن يكون من نصيبهم، وبالدينار الرمزي، أفخم القصور، وتركوا بعض شعبهم مشرّدا لا يسعه إلاّ ضيق القبور، ومع ذلك ساسُوهم بشعارات الثورة والعدالة الاجتماعية!

فاجعة ضحيّة غليزان، لا تقف عند حدود الموت الجسدي، لأنّ ذلك قدر معلوم ومحتوم الأجل، لكنّه موت للأمل في نفوس جزائريين ضاقوا ذرعًا بالانتظار الطويل في طوابير المعذّبين فوق كوكب المنسيّين!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • بدون اسم

    ما قلته أخي صحيح إلى أبعد الحدود...لكن عدم المتابعة الميدانية من الجهات الوصية العليا في البلاد و عدم محاسبة المتعجرفين و المتغولين من المسؤولين المحليين هو من حول البلد إلى غابة كبيرة تسرح فيها الوحوش و تمرح من دون خوف أو وجل؟؟؟ السيبة لا تصنع الدولة القوية بل تجعلها سخرية للعالم الذي أصبح يتفرج علينا و على مآسينا و يتلذذ بمشاهدها الفظيعة؟؟؟

  • بدون اسم

    المجتمع الذي تغيب فيه الأخلاق و ينعدم فيه القانون يتحول إلى غابة لغة أهلها الناب و المخلب...و هذا هو قانون الغاب...؟؟؟

  • علي لابوانت

    اني أرى رؤوس الماسونية قد أينعت و تغولت على جزائر الشهداء الذين ضحوا بالنفس و النفيس للعيش بكرامة لأحفادهم....و اذ بالأيادي السوداء القذرة تهوي بالبلد في واد سحيق و نحن نرى بأم أعيننا كيف ينهش بنو قريدة و بنو خنزير خيرات الجزائريين و نسكت...عفوا هذه بلد هي الجزائر ...فبحجم ثورتها بحجم خيانها الملعونين الذين اندسوا فيها تحت غطاء الجنسية جزائرية و القاب مثلث مسيحي او سداسي يحمل مسدس الاعلام و مسدس الطعن في الظهر للوطنيين و يحسد طفلا مسلما من باطة ياووووورت......

  • بدون اسم

    السلام عليكم
    شكرا ..
    .. المشكل راه في الأسفل أي "محلــــــــــــــــــي "
    بشهادة الجميع
    الدولة وفرت كل شيء ، وضعت أغلفة أو ميزانية ضخمة عبر الوطن
    في مختلف المجالات لراحة المواطن
    للأسف البعض يتصرف بمنطق "نمد كيما نبغي أنا " أو c'est moi qui decide"
    وغلق جميع الأبواب في وجه المواطن ؟؟؟!
    بكلمة ولي غدوة راني مشغول ، عنده اجتماع،
    اليوم ماجاش ، لحد الآن ما بان والوا وو...الخ
    وشكرا

  • نصيرة/بومرداس

    الجزائري يموت وهو على قيد الحياة...........ميت الاحياء

  • ,صلاح الدين

    قيل لعمر بن الخطاب ان الرعية تطاولت ويجب حمل السياط قال بلا ولاكن نالحق والعدل تعود الرعية .
    يا من كنتم تجرون بالامس وراء كرسي المير او الولية سوف تحاسبون علي كل مدلوم في بلديتكم او دواءركم حتي ولم تكونو علي علم به .هده هي الولاية يا جهال .اقراؤ الاية الكريمة اني عرضنا المانات علي .......... صدق الله العضيم .
    والله سوف نخاصمكم يوم القيامة علي كل من مات في البر والبحر بضلمكم .
    حسبي الله ونعم الوكيل .