الرأي

الموقف الشخصي.. والموقف الوطني

محمد سليم قلالة
  • 1140
  • 7
ح.م

ينبغي في تقديري أن نُفَرِّق في خياراتنا وقرارتنا بين موقفين: الموقف الشخصي والموقف الوطني. عندما يتطابقان يكون ذلك هو أفضل خيار وينبغي تعزيزه بالقرار المناسب. أما عندما يختلفان: هنا ينبغي التوقف مَلِيًّا… والسعي للبحث عن نقطة التوازن بينهما التي من شأنها منع وقوع أي خلل في الميزان قد يؤدي إلى خسارة الموقفين معا، فلا الشخصي يتحقق ولا الوطني يتحقق… أما عندما نكون أمام ضرورة الاختيار بين أحدهما فلا بديل أمامنا عن الاختيار الوطني وإن كان ضد قناعتنا الشخصية.

ولعل هذا هو المعنى العميق لمفهوم طالب المسؤولية خائن ورافضها خائن الذي جاءت به ثورتنا المظفرة. ذلك أن كلاهما بطريقة أو بأخرى ربط المسؤولية بالقرار الشخصي وليس بالمصلحة الوطنية، وبهذا المعنى يُدانان معا حتى وإن كان المنطق يبرِئ رافض المسؤولية!!

واليوم نكاد نعيش وضعا يحمل الكثير من التداخل بين الموقفين الشخصي والوطني: هل نكون مع مؤسساتٍ مثل الحكومة ورئاسة الجمهورية  لأنهما  ترمزان لاستمرارية الدولة الوطنية  أم نكون ضدهما لأننا نرفض  الأشخاص المكونين لهما؟ هل نكون مع التظاهر السلمي للمواطنين ومع الانتخابات كوسائل تعبير حرة، أم نكون ضدهما لأننا ضد أشخاص يشرفون على هذه الانتخابات أو ضد ممارسات ومواقف لا نتفق معها خلال هذه المسيرات؟

يبدو لي أننا كثيرا ما نقع في هذه الحالة، عندما يتصرف معضمنا بعفوية غير مبالين بما سيحدث، ماداموا مقتنعين أن ما يقومون به هو الصواب بعينه. ولعل هذا هو ما أوصل الكثير من الدول التي هي في مستوى دولتنا إلى حالة من الاضطراب لم تتمكن لحد الساعة من الخروج منها… كل طرف اتبع ما يراه صوابا ونسوا الوطن، فانهار الوطن على الجميع…

نحن لا نريد أن نصل إلى هذه الحالة بل علينا أن نضع الوطن فوق الجميع بنفس الدرجة التي يضع فيها الأجنبي مصالح بلده فوق الجميع.

هل رأيتم ممثلا لدولة أجنبية يتعامل مع الحكومة الجزائرية على أساس أنها حكومة رئيسِها عبد الرحمن بدوي؟ هل رأيتم دبلوماسيا يرفض التعامل مع رئيس الدولة الجزائرية على أساس أنه ليس رئيس جمهورية منتخَب؟

إنهم يدركون حقيقة الأشخاص، ولكنهم يفضلون الاستمرار مع الدول التي يمثلونها خدمة لمصالحهم، ولو إلى حين…

فكيف بنا نحن لا ننتبه أنه علينا التمييز بين مواقفنا الشخصية ومواقفنا الوطنية؟ وكيف بنا لا ننتبه أننا قد نُضَحِّي بالمواقف الوطنية  انتصارا لمواقفنا الشخصية بدل أن يحدث لدينا العكس؟

أظن أننا اليوم في مرحلة ينبغي على كل مِنَّا فيها أن يضع منظوره الشخصي في خدمة المنظور الوطني وليس العكس، وإن كُنَّا لا نرغب في بعض الأسماء علينا أن نضعها في ميزان المصلحة الوطنية، وإن كُنَّا غير راضين ببعض الممارسات أن نقيسها بمقياس المصلحة الوطنية.

مَن مِنَّا لا يدري أننا اليوم في وضع غير دستوري ولكن استمرارية الدولة تفرض علينا قبوله؟ مَن مِنا لا يعرف أننا لن نرقى إلى مستوى الانتخابات النزيهة في القريب العاجل ولكن مصلحتنا الوطنية تقتضي منا إجراء انتخابات بالحد الأقصى من النزاهة التي نستطيع؟

أليست هذه هي الواقعية السياسية التي تُجنِّبنا من أي انزلاقات؟ يبدو لي أنها كذلك، بعيدا عن كل مزايدة أو ادعاء بأننا يمكن أن ننتقل بين عشية وضحاها من أدنى مراتب الانهيار إلى أعلى درجات التطور…ينبغي أن نُدرك أننا دولة في طور البناء، والمهم ليس أن نستكمل هذا البناء دفعة واحدة إنما أن نضع الأحجار الأولى في المكان المناسب وبالطريقة الصحيحة… وما الرئيس المقبل للبلاد بحول الله إلا لبنة في طريق هذا  البناء الصحيح،  فلا نُخطئ الاختيارْ أو نَمنَع وضع هذه اللبنة،ونحن نظن أننا نُحسن صُنعا، فنَمنع بذلك ولسنوات أخرى، إقامة هذا البنيان، هذا إذا لم ينهار علينا جميعا لا قدَّر الله…

مقالات ذات صلة