-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المَجَلاّت المُسْتَنْسخَة : ناقوس الخطر يَدُقُّ!

المَجَلاّت المُسْتَنْسخَة : ناقوس الخطر يَدُقُّ!
ح.م

في ربيع السنة الجارية، صدر مقال بعنوان “المجلات المُسْتَنْسَخة : خطر على البحث الطبي” في رسالة تدق ناقوس الخطر وجهها أستاذان من جامعة ماليزية إلى رئيس تحرير “مجلة ساو باولو الطبية” البرازيلية. يشير الباحثان في هذه الرسالة إلى أن العالم الأكاديمي يواجه حاليًا العديد من التهديدات والأخطار، منها انتشار المجلات المفترسة التي ينشئها أصحابها بهدف جمع المال. ثم يضيفان أن هناك نقاشا جديدا في الوسط الأكاديمي بشأن عبث آخر يتمثّل في ظهور وانتشار ما يسمى بَـ “المجلات المُسْتَنْسَخة” (clone journals) أو “المجلات المختطَفة”  ( hijacked journals) من مجلات أصلية.

ما هي المجلة المُسْتَنْسَخة؟

 يتعلّق الأمر بظاهرة حديثة في الاحتيال الدنيء الذي اقتحم الأوساط الأكاديمية. وكانت أول مجلة تم استنساخها هي المجلة السويسرية “أرشيف العلوم” (Archives des sciences)، وحدث ذلك عام 2012. ولم تمض سنتان حتى تم استنساخ 20 مجلة أكاديمية من المجلات الطيـبة السمعة. أما هذه السنة، فتقدم الإحصائيات 130 مجلة مُسْتَنْسَخة في العالم من مجلات مرموقة، وهذا العدد يتزايد يوما بعد يوم.

ما هي المجلة المُسْتَنْسَخة؟ إنها مجلة وهمية تظهر في موقع إلكتروني يفتحه محتال، وهي في الواقع نسخة طبق الأصل لمجلة أكاديمية مرموقة، وتنتحل صفتها، فتبدو للمتصفح من الباحثين بأنها المجلة الأصلية، ذلك لكونها تتخذ رقم تسلسلها العالمي الخاص بالدوريات (ISSN)، وتقلدها في شكلها وألوانها وإخراجها وهيئة تحريرها. وبعد ذلك يقوم صاحب هذا الموقع الوهمي بحملة واسعة لتجميع العناوين الإلكترونية لأكبر عدد من الباحثين في مجال اختصاص المجلة (هذه العناوين موجودة في المقالات المنشورة في مختلف المجلات).

ثم يراسل المحتالُ أصحابَ تلك العناوين ملتمسًا منهم توجيه أبحاثهم إلى المجلة مع وعود بالعناية وسرعة النشر (من بضعة أيام إلى شهر…). كما يحثّ المحتالُ الباحثين على النشر في المجلة بصفة دورية. وما يميّز هذه المجلات أنها تقبل كل ما يصلها من مقالات بدون تحكيم مدعيةً عكس ذلك، وتعلن للباحث أنها تطلب مقابلا ماديا مبررةً ذلك مثلا بأنها ستضع المقال مفتوحا (أي أن المتصفح يستطيع الاطلاع عليه بالمجان، وفي ذلك إشهار للمؤلف)، وأن سرعة النشر يتطلب سرعة التحكيم، ولذا وجب دفع مقابل للمحكمين، إلى غير ذلك من الإغراءات والتبريرات الواهية.

يحدث كل هذا بين المؤلفين والمحتالين وهيئة تحرير المجلة الأصلية -التي يتم الحديث باسمها- في غفلة، ولا علم لها بما يُحاك… ولا علم أيضا للمؤلف بأنه يخاطب محتالين لا يفقهون شيئا من علمه وأبحاثه. وبمجرد أن يدفع صاحب المقال “رسوم النشر” يفقد صلاحية إرسال عمله إلى مجلة أخرى بحكم توقيعه على ذلك لدى المجلة المُسْتنسخة، ولا يستطيع سحب أو إزالة المقال من الموقع الوهمي.

لذلك تشكل المجلات المُسْتَنْسَخة تهديدًا خطيرًا لسلامة النشر العلمي عبر العالم ومصداقيته : فقد تصبح هذه المجلات مثلا مرجعا لعديد الأبحاث، ومصدرا لفرضيات علمية ونتائج خاطئة في جانب الممارسات الطبية، وللسياسة الصحية ولغيرها من مجالات البحث العلمي الحساسة.

متى تنتبه وزارتنا؟

هناك ملاحظات يمكن أن يركّز عليها الراغب في معرفة ما إذا كانت المجلة التي ينوي التعامل معها مستنسخة أم لا، منها :

– يبحث جيدًا في محركات البحث لعله يجد موقعا آخر لنفس المجلة فيستنتج أن أحدهما مستنسخ.

– لا ينبغي أن يعتقد الباحث بأن أول موقع تظهر فيه الصفحة في محرك البحث هو موقع المجلة الأصلية، بل إن العكس هو الذي يحدث في الكثير من الأحيان : يكفي أن تدفع المجلة المستنسخة مقابلا لمحرك البحث لتظهر قبل المجلة الأصلية.

 – يدقّق الباحث النظر في أسماء أعضاء هيئة التحرير وفي مؤسسات المنتسبين إليها. ففي عديد الحالات تكون هناك أخطاء مطبعية وهفوات في بيانات المجلة المستنسخة تكشف الاحتيال.

 – أحيانا، لا نجد نفس الأعضاء في هيئة التحرير المجلتين (الأصلية والمستنسخة). في هذه الحالة يمكن للباحث التحرّي مباشرة عبر عناوين هؤلاء الأعضاء ليعرف حقيقة كل مجلة.

– بصفة عامة، فمن يدفع مقابلا ماليا لقاء النشر السريع هو صاحب المجلة المستنسخة.

– الباحث الذي يتلقّى تقارير المحكمين يتعيّن عليه التمعّن في جديتها إذ تتميز المجلات المستنسخة بسطحية تقييمها.

– نلاحظ أن بيانات الاتصال بالناشر المحتال تكون غامضة أو غير موجودة : ذلك أن الناشرين المحتالين ليس لديهم عناوين بريدية تابع لمؤسسات أكاديمية معروفة أو أرقام هواتف نشطة.

 – غالبًا ما تحتوي المجلات المستنسخة على أبحاث ذات محتوى هزيل تشوبه العديد من الأخطاء المطبعية.

 المشكل المطروح أيضا والمترتب عن هذه الظاهرة أن الكثير من المتلهفين من طلبة الدكتوراه، بوجه خاص، الذين يريدون تمرير ملفات مناقشة أطروحاتهم بسرعة في المجالس العلمية، يجدون ضالتهم في المجلات المستنسخة بالذات. فهم يتعمدون النشر في هذه المجلات المزيّفة التي تنتحل صفة مجلات مرموقة ذات معامل تأثير مقبول ومصنفة جيدا في موقع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. ومن ثمّ، تعتمد المجالس العلمية في الجامعات تلك البحوث المنشورة وتوافق على مناقشة أطروحات أصحابها دون تمييز ولا تحريات.

في هذه الحالة، يكون الطالب على علم بعدم جدّية المجلة، ومتواطئا معها، لأنه اطلع على تقارير التحكيم ودفع مقابلا ماليا. وهكذا يصبح الوضع أخطر، والأدْعى أن نلزم الطالب والمشرف عليه بالتحري قبل النشر. والوضع نفسه ينطبق على طالبي الترقيات.

 وقد بلغنا أن عديد الملفات مرّت في المجالس العلمية من خلال النشر في المجلات المستنسخة، ولم تُعر تلك المجالس أهمية للموضوع لأن عنوان المجلة مصنف جيدا في موقع وزارة التعليم العالي. وبلغنا أيضا أن مسؤولين بوزارة التعليم العالي تم إشعارهم بخطورة الظاهرة، لكنهم ردوا بشكل تَبيّـن من خلاله أن وعيهم بما يحدث في هذا المجال دون المستوى المطلوب.

 تختتم الرسالة الموجهة إلى المجلة البرازيلية نصها بالقول : “تتطلب التدابير الاحترازية إجراءات طويلة المدى تستخدام تقنيات أكثر صرامة وتقدمًا للحدّ من هذه المخاطر”. ولذا، حريٌ بمسؤولينا الاستعجال، واتخاذ التدابير التي تمليها هذه الظاهرة قبل استفحالها في مؤسساتنا الجامعية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • abdou

    يتبع
    3- المهم هو أن يكون الحراك داخل الجامعة و لكن كثرت المناصب و الطمع ، في من نثق ؟ كثر النفاق و كلنا نتجه و نطلب بفتح المساجد، الله أكبر أمامنا أصبح من المفسدين باستعمال هذه المجلات و يحاسبنا في المسجد لماذا نقف ضد المفسدين و المشجعين للمجلات المزيفة ﻷنها تنشر لك بعد شهر ,

  • abdou

    - القوانين موجودة و واضحة على مستوى جميع الجامعات الجزائرية لكن للأسف هناك عصابات مستفيدة من الرداءة المنتشرة و هي ضد تطبيق قوانين الدولة الجزائرية
    2- كيف يعقل لأستا ذ أن يتحصل على الدكتوراه مقدما مقالة منشورة في مجلة مزيفة أو منشورة في مجلة خارج أختصاصه أو التي تطلب مبلغ مالي مع أن القوانين تمنع ذلك و هي واضحة

  • بن بلقاسم أحمد

    كل الشكر والتقدير للأستاذ خالد على هذه المقالة المهمة لكل باجث جامعي

  • حمة السوفي

    هناك مؤشرات تدل على أن الجامعة هي آخر اهتمامات الدولة،من لا يعلم أن جل الوزراء السابقين للتعليم العالي لا يحوزون على الباك،ابتداءا من سنوات 80 إلى غاية صاحب مقولة "حامل جائزة نوبل واش ندير بيه "، مرورا بمؤسس نظام الفساد (LMD) الذي أرسل أولاده للدراسة في الخارج و أرغم أبناء الشعب المغبون على الدراسة في نظام لا يثق فيه مؤسسه.احترت في تفسير بروفيسورات لا يحوزون على الباك و يقابلون طلبتهم "بوجوه صحيحة!" و يعلمون علم اليقين أن طلبتهم أحسن منهم علما ، فهل الباك أصعب من شهادة بروفيسور؟!!إلى متى استغباء الطلبة الذين لا يهمهم سوى النقاط بحجة أن التخرج من الجامعة يعني البطالة.متى ستصلح القاطرة

  • حمة السوفي

    "متى تنتبه وزارتنا؟" تساؤل في محلّه .صُمٌّۢ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ
    (البقرة - 18)

  • حمة السوفي

    جميل ما تكتب، يعجبني حسن اختيارك للمواضيع،لكن جامعاتنا المنكوبة و الغير مصنفة لا يعجبها الإصلاح و كذلك جمهوريتنا الجديدة ليس فيها مؤشرات تدعو و تحفز إصلاح جامعاتنا المنكوبة .أريد أن أتفاءل بغد مشرق قريب تصلّح فيه جامعاتنا و تصبح تنافس الجامعات اللإفريقية على الأقل،لكن لا مؤشر في جمهوريتنا الجديدة يدعو إلى هذا التفاؤل.و كيف يمكن تفسير تقدم جامعات الصومال أمام جامعاتنا، أليسوا في حرب أهلية منذ أكثر من أربعون سنة ! أوليس ميزانية جامعاتنا هي الأضخم على الإطلاق! كيف تفسر يا أستاذنا المحترم ضعف مردودية هذه الميزانية الضخمة؟كيف تفسر دخول طالب إلى الجامعة متفوقا ليتخرج منها بمستوى ضعيف أقل من الثانوي؟

  • هشام ا

    شكرا الاستاذ سعد الله فالموضوع خطير جدا وعلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تتحمل مسؤوليتها بإنشاء مصلحة خاصة لمراقبة المجلات العلمية والنشر والتطورات العالمية في ذلك وأن يكون لكل اختصاص لجنة خاصة فمثلا في الرياضيات تكون هناك لجنة من الرياضياتيين الذين يميزون بين المجلات وهكذا...

  • مصطفى الأمير

    والله يا أستاذ خالد ، عندنا كل شيء مستنسخ عقولنا وإعلامنا بل الأدهى والأمر واقعنا كله مستنسخ فالله المستعان. ومعذرة أستاذنا الكريم

  • بونجام جلول

    المجالس العلمية واللجان العلمية هي من يساهم على المباشر في هبوط ومصداقية المجلات العلمية.كم يوجد لجامعة باب الزوار وجامعة ايسطو بوهران من مجلة في الرياضيات والفيزياء والالكترونيك والميكانيك؟ كم يوجد لجامعة بوضياف بمسيلة من مجلة في الرياضيات؟ كم يوجد لجامعة مسيلة من مجلات في العلوم الانسانية؟ مجرد رئيس تحرير لمجلة العلوم الاجتماعية بجامعة امسيلة قال ****لا لنشر مقال**** حتى اقاله رئيس الجامعة ونصب واحدا من بلدته ويتباهى بان جامعته تحتل الرتبة الاولى وطنيا و213 عالميا..........والهدف معروف بكل تجلياته.تكاثرت المجلات كتكاثر الكائنات المجهرية فاين المفر؟

  • بوكلافي بدر الدين

    اكثر من 85 بالمئة من المجلات المتعلقة بالعلوم الاجتماعيةSciences sociales (اداب-لغات-تاريخ-تسيير-تجارة-قانون-علم النفس-اقتصاد-علم اجتماع-مكتبيات-جغرافيا-ترجمة...............الخ) والمنشورة في الجزائر ومصنفة.اكثرها مستنسخة ومغشوشة بعلم وزارة التعليم العالي،واللجان العلمية ولجان القراءة والمجالس العلمية هي التي تبارك هذا الغش والتدليس لان امور الترقية والتاهيل يرتبطان بكثرة شهادات النشر.هناك من لا يحسن كتابة اسمه بحروف لاتينية ينشر باللغة الانجليزية وكل هذه الامور حتى تصنف الجامعة ويترقى المدير الى منصب عالي.................المجالس العلمية من حطب جهنم.

  • أبو يونس

    بارك الله فيك على ما تفضلت به من موضوع الساعة ...هذه الظاهرة انتشرت بشكل رهيب في المدة الأخيرة في غفلة وإهمال من طرف المشرف واللجان العلمية و...

  • عمر عمران

    نؤكد ما جاء في مقال الأستاذ.. لطالما تلقينا اتصالات بخصوص بعض المقالات التي تصدر لنا من جهات مشبوهة تغلب عليها صفة الربحية.. شكرا جزيلا على المبادرة إلى عرض الموضوع