-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

النبيّ يحرم الوساطة (2)

خير الدين هني
  • 541
  • 0
النبيّ يحرم الوساطة (2)

للاستدلال على تحريم الوساطة، لصالح الجناة والمنحرفين والخارجين عن القانون، في الأحوال التي يثبت فيها -بتحقيق قضائي- تبييت النيّة والإصرار والتعمّد والقصد لارتكاب الجريمة أو الجنحة، وليس لدوافع أخرى قد تدفع الفرد لأسباب قاهرة، كالخطأ والحاجة وسوء التقدير والتغرير وعدم البلوغ، أو البله والعته والجنون وغير ذلك، وللاستدلال على التحريم القطعي للوساطة، نورد قصة المرأة المخزومية التي سرقت في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت هذه المرأة شريفة حسيبة نسيبة، من قبيلة بني مخزوم العريقة في قريش، وهي قبيلة أبي جهل والوليد بن المغيرة أبي خالد بن الوليد.

وبسبب التنازع على الشرف والتنافس على السيادة والقيادة، قال أبو جهل لابن أخته المسور بن مخرمة، حين سأله عن سبب العداوة بينه وبين النبي، قال: “يا ابن اختي والله لقد كان محمد فينا وهو شاب يدعى الامين فما جربنا عليه كذب قط، ثم قال: يا بن اختي تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف، أطعموا وأطعمنا وسقوا وسقينا وأجاروا وأجرنا، حتى إذا تجاثينا (أي جلسنا على الركب للخصومة) على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي فمتى ندرك مثل هذا؟”.

وقد هال الأمر قريشا حين بلغها خبر إقامة الحد، على شريفة حسيبة من قريش صاحبة امتياز الحُمس من غير سائر بلاد العرب، وكانوا يحسبون الأمور بحساب الجاهلية التي كان الناس يتفاضلون فيما بينهم ويتحاكمون وفق أنسابهم وأحسابهم، ومراتبهم ومواقعهم الاجتماعية، فقالت قريش كيف لامرأة شريفة من وجهاء قريش وساداتها، يقام عليها حدّ السرقة؟ وكان أمر القصاص بيد النبي -صلى الله عليه وسلم- فَقالوا: ومَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-؟ فَقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: أتَشْفَعُ (تتوسّط)، في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا”. (البخاري).

نبرة الغضب في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ظاهرة للعيان، لأنه اعتبر الشفاعة (الوساطة)، في حكم من أحكام الدين، مخالفة لأصول الدين ومعطِّلة للعدالة التي أمر الله تعالى المسلمين، بالتقيد بها في كل الأحوال حتى لا يختل ميزان العدل والقسطاس بين الناس، شريفهم ووضيعهم، سيدهم ومسودهم، غنيهم وفقيرهم، قويهم وضعيفهم، كبيرهم وصغيرهم، حاكمهم ومحكومهم، رجالهم ونساؤهم، سليمهم وسقيمهم، أحرارهم وعبيدهم. والنبي -صلى الله عليه وسلم-حينما غضب بعدما توسط للمرأة المخزومية ابنه بالتبني زيد بن حارثة، إنما كان يعلم بأن الناس من قبل في عصور الجاهلية، وحتى في عهود اليهود والنصارى، كانوا إذا سرَقَ فيهم الشريف تركوه، وإذا سرَق الضَّعيف أقَامُوا عليه الحَدَّ.

ومع الأسف الشديد فإن هذه الممارسات الظالمة، مازالت منتشرة إلى حدٍّ رهيب بين المسلمين اليوم، خلافا لما هو عند غير المسلمين، من انتشار العدل بينهم وتحريم الوساطة بنصوص قوانين تمنع حدوثها، لجرمها وقبحها وظلمها، لأن القضاء عندهم مستقل ولا يتدخل في أحكامه متدخل كان من كان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!