-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

النجومية والمشاهير و.. الخردة

حسان زهار
  • 343
  • 0
النجومية والمشاهير و.. الخردة

أخذ مفهوم الشهرة والنجومية بعدا آخر في السنوات الأخيرة، وشيئا فشيئا، صار هذا المفهوم يرتبط بفعل التطور التكنولوجي، وانحدار مستوى الجماهير أو المتلقي، وسيطرة ثقافة الفاست فود، يرتبط بجهات أقل ما يمكن وصفها بأنها تافهة، أو تروج للتفاهة، من دون أدنى مضمون فكري أو ثقافي أو تربوي حتى، وللأسف، هي نفس الوجود الشهيرة أو نفس النجوم، التي تفرض بعدها فرضا على الاعلام، لأن الجمهور كما يقال “عاوز كدة”.

في قائمة المشاهير العرب الأكثر تأثيرا لهذا العام، حسب مجلة “فوربس”، احتلت الصدارة بعد عمرو دياب، كلا من نانسي عجرم وإيليسا، وفق مقاييس محددة من أهمها ويا للغرابة، الأنشطة المؤثرة على المجتمع، عدد المتابعين وتفاعلهم على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، بما يعني أن نانسي عجرم وأليسا، وهما من أقطاب الفن الاستعراضي الهابط، الموسوم بإيحاءات جنسية، يشكلان قدوة للكثيرين في هذه الأمة، بدليل أن عدد متابعيهم في مواقع التواصل الاجتماعي يعدون بعشرات الملايين، وهو رقم لم يصله أي داعية أو مصلح أو مفكر مهما بلغت معرفته أو علمه أو مكانته.. فأين الخلل؟

أعتقد أن المشكل هو في منظومة القيم بأكملها، بعد أن حصل انقلاب كبير داخل هذه المنظومة نفسها، إثر تراجع دور المدرسة والجامعة والمسجد والأسرة والإعلام، وطغت ثقافة الصورة والجسد وهز الأرداف، وهي حالة تمس كامل العالم العربي اليوم من شرقه إلى غربه، حيث الردة صارت “ردات”، ومفهوم “القدوة” تدحرج بشكل فاجر، لينتقل من سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، في العقود الماضية، إلى أن وصل أخيرا إلى حدود أليسا ونانسي وأشباههما من (الفنانات والفنانين).

في حديث لخضر بن تركي لمجلة “الشروق العربي” في هذا العدد، ما يدلل بوضوح، إلى أن الواقع الجزائري لا يختلف إطلاقا عن هذا الأمر، فمن بين الحقائق الصادمة التي أوردها، ولا بد من الوقوف عندها، أن الأغلبية الساحقة من المغنين الجزائريين هم في الحقيقة (مهرجون) لا أكثر ولا أقل، لكن وفي المقابل، لا يقل أجر كل مهرج (من بين 1500 مغن يتعامل معهم الديوان)، عن 150 أو 200 مليون سنتيم للسهرة الواحدة (للكاشي)، وهو مبلغ يعادل أجرة دكتور في الجامعة لمدة سنة كاملة، أما أجرة الفنانين (النجوم) حسب المعايير المتوفرة، سواء كانوا جزائريين أو عرب (خالد، مامي من الجزائريين، نجوى كرم، صابر الرباعي من العرب)، ومن غير الأجانب أيضا، فهي بالملايير للسهرة الواحدة.

بطبيعة الحال، فإن النجومية في عالم الفن، لا تختلف كثيرا في عالم الرياضة مثلا، فبين حديث تحويل نايمار إلى باريس سان جيرمان، بمبلغ خرافي قدر بـ222 مليون يورو، من المفيد أيضا الإشارة إلى ما يمكن تسميتهم محليا أيضا باللاعبين المهرجين، والذين يتقاضى جلهم مئات الملايين في عقود التوقيع… بينما لا يجد خريجو الجامعات مكانا ولو بين تشغيل الشباب.. وغير هذه الصور الكثير مما لا عد ولا حصر.

إن صناعة النجومية والمشاهير بهذا الشكل، قد تجاوز كل الحدود المعقولة، وأدخل أجيالا كاملة حاليا وفي المستقبل في دوامة التيه، حول الرجل القدوة أو المرأة القدوة.. وستدفع بسببه، هذه الشعوب التي ماتزال تخاصم العلوم والمعرفة، بعكس الشعوب الغربية، غاليا من توالي مظاهر التخلف والإسفاف، وظهور الحركات (الكركرية)، ذلك أن الغرب الذي يصنع نجومه بإدراك ووعي، بعد أن حل مشكلة التنمية وسخر العلوم والتقانة لخدمته، لن ينتظر مجتمعات تحاول تقليده عبر صناعة النجوم / الخردة، أو الفنانين / المهرجين، قبل أن تحل أي مشكلة من مشاكلها العويصة، وعلى رأسها مشكلة الهوية وأي مشروع مجتمع يريد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!