الرأي

الوطن للجميع يا سي ماجر

لا شكّ في أنّ “صاروخ” الذي صوّبه الناخب الوطني رابح ماجر ضدّ الزميل معمر جبّور، في آخر خرجة صحفيّة، يُعتبر انتهاكا خطيرًا لأخلاقيات الرياضة والإعلام والاتصال والعلاقات الإنسانية، لكن الرجل بخطابه العنيف وهجومه الشرس ضدّ صحفي أعزل، إلاّ من قلمه ورأيه الحرّ، لا يمثل حالة شاذّة بين المسؤولين الجزائريين، وزعماء في الطبقة السياسية، وقد استعار “سلاحه المحظور” من أحدهم، عاد مؤخّرا من روسيا!

ما معنى أن ينعت مدرِّبٌ كروي منتقديه ويصف المعترضين على خياراته، حتّى لو اعتقد أنهم يمارسون لعبة تصفية الحسابات بالوكالة، بأنهم “أعداء المنتخب الوطني”؟ أليس هذا قمّة التخوين والطعن في وطنيّة الآخرين، لأنّ الفريق الرياضي يحمل الألوان الجزائرية، ومنْ عاداه فقد عادى الوطن؟ هل يستقيم كلام ماجر المردود عليه؟!

للأسف، ثقافة قبول الرأي الآخر، أو الإصغاء إلى ما يقول غائبة تماما، كما أنّ التعامل مع المخالِف بروح منفتحة معدوم، ما يجعل التوتّر والتشكيك سيدّ الموقف، الأمر الذي يفوّت الفرصة على الاستنارة والتفكير بعقول “الخصوم” أنفسهم، فتكون النتيجة الحتميّة هي الصدام والعنف اللفظي والقدح في الشرف!

ماذا لو شرب ماجر من ذات الكأس التي أوردها الضحيّة، أي نعامل صاحب “الكعب الذهبية” بنفس المنطق الذي يردّ به على المنتقدين، ذلك أنّ معظم التقنيين واللاعبين الدوليين وعموم الجمهور، وفق ما تظهره وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، غير مرحّبين بتعيينه على رأس “الخضر”. فهل صار المسكين بذلك “عدوّ” الشعب والجزائر معًا؟ كلّا، فنحن نترفّع عن الانتقاص من قامة كرويّة في مستوى ماجر، لأنّ العاقل لا يردّ على الشتيمة بمثلها. 

وعودًا على بدء، نقول إنّ ما بدر من ماجر يخرج من مشكاة واحدة يتقاسمها القائمون على شؤوننا في كافة المجالات، فهو ينهل من معجم القاموس الرسمي المشبَّع بمعاني التخوين والتخويف والتعاطي مع الآراء والمواقف المستقلّة وفق قاعدة بوش الابن “منْ ليس معي فهو ضدّي”!

إنه المنطق الأخرق، الذي جعل ولّاة أمورنا في مختلف المستويات وقطاعا واسعا من ساستنا وحتّى بعض نخب المجتمع، لا ترى الحقائق والأشياء إلا بعيونها الرّمداء، رافعة شعار: “ما أريكم إلا ما أرى”، تحتكر المعرفة والدين والتاريخ وحتّى الوطن.. منْ وافقها، عن قناعة أو مجاراةٍ لها، فهو على الصراط المستقيم، ومن جهر بخلاف ما حملت النّاس عليه، فهو ضالّ ومارقٌ وعدوّ مُبين!

 كنّا نظنّ أنّ زمن التضليل بضخّ الأكاذيب الزائفة في عقول المتلقّين قد ولّى، لأنّ البشرية اليوم تعيش على عالم مفتوح، أشرع وسائل الاتصال على مصراعيها، حيث لا مكان لأحادية إقصائية وصوت واحد يكتم أنفاس المقهورين.

لكن يبدو أنّ ثمّة آخرين، توقفت بهم عجلة التفكير في عقد الستينيات من القرن الفائت، يوم اكتشف الجزائريون مثلاً أنّ الأشاوس بوضياف وآيت أحمد وبن بلة وغيرهم، “خونة يحرّكهم الخارج”، أمّا أسد جرجرة كريم بلقاسم فهو “عميل للصهيونيّة”، أو هكذا حاول المسيطرون على الحكم تشويههم، ليخلُو لهم وجهُ السلطة إلاّ من المتزلفين!

قد يظهر التشبيه في حاجة إلى فارق في القياس، لكنّ الثقافة والذهنية والنفسيّة هي ذاتها التي تضبط محدّدات الأحكام الجائرة لدى هؤلاء!

فمتى يعود المختلفون إلى رشدهم، ليوقنوا بأنّ الآراء والمواقف والمواقع اجتهادات و”ملكيّات خاصّة”، ويبقى الدين والوطن للجميع؟

مقالات ذات صلة