الرأي

انتخابات من أجل الوطن.. لا من أجل السلطة!

محمد سليم قلالة
  • 1344
  • 9
ح.م

الأمر الأساسي الذي ينبغي أن نفهمه اليوم جميعا في ظل وصولنا إلى نقطة أصبحنا فيها قاب قوسين أو أدنى من الصِّدام، داخل الدار الواحدة، أن الانتخابات هذه المرة لن تكون أبدا من أجل استلام السلطة أو تغييرها، إنما من أجل سلامة الوطن والتحضير للتحول المرتقب في السلطة. كل المسألة تكمن في وعي هذه المعادلة.
الشطر الأول من المعادلة: أن يتم تسليم السلطة للشعب قبل إجراء الانتخابات وعندها ندخل في حالة تُشبه حالة الشرعية الثورية التي عرفناها غداة الاستقلال (مع الفارق الكبير طبعا بين المرحلتين)، ومعها تُصبح الانتخابات اداة لأصحاب شرعية الشارع الجدد مبررا للبقاء في الحكم وليست وسيلة للتداول الديمقراطي عليه، ونُكرِّر ذات الخطأ الذي ارتكبناه منذ أكثر من نصف قرن. الشخصية التي تحكم باسم ثورة الشارع لا يمكن إسقاطها إلا بثورة شارع آخر. وهي دوامة ينبغي ألا نقع فيها ثانية…
أما الشطر الثاني من المعادلة: أن يقبل الشعب بإجراء انتخابات بما تَوَفَر من ضمانات اليوم، تفرز الشخصية التي تُشرف على عهدة انتقالية يتم فيها وضع الأسس الصحيحة للدولة الجزائرية الجديدة عن طريق الحوار والإقناع في ظل وضع مستقر يوفر الحد اللازم من الشروط للانتقال الديمقراطي في المستقبل. وعلى خلاف الشطر الأول من المعادلة، هذه الشخصية كما ستأتي عن طريق الانتخاب تذهب أيضا عن طريق الانتخاب.. وبهذه الطريقة نكون قد وضعنا نهاية لما يُعرف بالحكم من خلال الثورة واستبدلنا ذلك بالحكم من خلال الصندوق. وهو الهدف الأسمى الذي نصبو إليه لبناء جزائر الغد..
وترجيحي للشطر الثاني من المعادلة ناتج عن مجموعة من الاعتبارات أهمها:
أولا: كما من حق أي مواطن أن يرفض الترشح للانتخابات وأن ينتخب وأن يحتكم للشارع، يحق له عكس ذلك أي أن يترشح وينتخب دون أي إكراه أو تخوين، إن من السلطة أو من الشارع: كل مواطن مسؤول أمام الله تعالى ونفسه.
ثانيا: أن الدكتاتورية تأتي دائما عن طريق الادعاء أن كل الشعب معها، وهذا ما يقوله البعض اليوم، في حين أن الديمقراطية تفترض أن غالية بسيطة من الشعب معها، وبقية الشعب إما معارضا لها أو غير مُبالٍ بمسألة الحكم تماما (أكثر من نصف الشعب التونسي مثلا 57 % لم تبال بالانتخابات الأخيرة).
ثالثا: الانتخابات الحالية بالنظر إلى الوضع الإقليمي والدولي، ينبغي أن يكون هدفها المحافظة على وحدة الوطن والجيش والتحضير لأسس بناء دولة وفق القواعد العصرية، وليس استلام السلطة والتغيير الجذري والفوري للنظام السياسي كما يعتقد البعض.
رابعا: الموقف الوطني اليوم ينبغي أن يتجاوز الموقف الشخصي والحزبي والفئوي والأيديولوجي، ويُفترَض أن تتوافق الشخصيات الوطنية بجميع توجهاتها على ترشيح شخصيات من بينها أو خارجها من بين الوجوه الشابة، لعهدة انتقالية يختار الشعب إحداها ديمقراطيا عبر الصندوق وليس من خلال التزكية عبر الشارع.
وهكذا يبدو لي نُجنِّب بلدنا كل احتمالات الانزلاق، ونُحافظ على سلامة أبنائنا ونستبدل بحق تطلعنا من أجل السلطة بتطلعنا من أجل بناء الوطن. ولنا في ذلك كل الأمل..

مقالات ذات صلة