-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انتفاضة العراق: إعلام محاصر وديبلوماسية صامتة

انتفاضة العراق: إعلام محاصر وديبلوماسية صامتة
ح.م

أنظمة لا تخشى من شعوبها، لكنها تخشى فضح حقائقها المشينة أمام العالم، فتلجأ إلى استنفار كل ما أتيح لها من قدرات قمعية سلطوية، وعلاقات دبلوماسية تفرضها مصالح ثنائية، وامتلاكها لمفاتيح القنوات الإعلامية في عصر أضحى فيه حق الرأي العام في معرفة الحقيقة مجرد بند تشريعي في دستور غير قابل للتطبيق.

الإعلام أكثر الأدوات تأثيرا في حشد الرأي العام تجاه قضية ما، هذا ما دعا الأنظمة الحاكمة إلى التحكم بوسائله، وفرض الهيمنة عليه، لحجب ما تريد حجبه عن الأنظار، خوفا على مكانتها في العالم، وتحصنا من إدانات لممارسات قمعية قد تلجأ إليها في ظرف ما، ورغبة في حصر ما يهدد وجودها، قبل احتوائه.

أما الدبلوماسية التي عرفت بتباطؤها، وقراءتها الهادئة لأي حدث، في أي مكان كان، فهي الأخرى، لا تعلن مواقفها، إلا بتصاعد الضغط الإعلامي الذي يحرك شرائح الرأي العام العريضة، فيجعلها مجبرة على إطلاق موقف بياني، يتكافأ مع ردة فعل تلك الشرائح، ويرضي خواطرها.

لكن الدبلوماسية ما أدركت إن حجب الإعلام، هو قضية بحد ذاتها، تتطلب الإدانات العاجلة، فحجبها يعني أن جرائم كبرى تتركب، يسعى مرتكبوها عبثا لإخفائها عن أنظار الرأي العام، وإبعاد الإدانات الدولية عنها أو ممارسة الضغط لإيقافها.

السلطات الحكومية في بغداد أدركت تفاصيل هذه اللعبة، وهي تطلق العنان للقوات الأمنية، والميليشيات الطائفية المسلحة وفرق الموت الإيرانية، بارتكاب أبشع جرائم الإبادة ضد المنتفضين في مدن العراق من أجل إعادة بناء وطن حر مستقل، بعيدا عن أية هيمنة خارجية.

عزلت العراق عن العالم، بقطع كل وسائل الاتصال، وأقدمت على غلق عدة مكاتب إعلامية، محلية وأجنبية، وحرقت الميليشيات الخارجة عن القانون بعضها، وألزمت ما تبقى منها بنقل قصص إخبارية تغالط الواقع، وتحجب جرائم الإبادة التي تحصد حياة عشرات المنتفضين يوميا، وتقدم المشهد وكأن شيئا لم يكن، مكتفية بنقل أنشطة السلطات الحكومية ووعودها الإصلاحية التي لا تقنع الشعب العراقي.

ووظفت دور ممثلية الأمم المتحدة في تقديم تقارير للمجتمع الدولي لا تمت إلى الواقع المعاش بصلة، وتمتنع عن دق نواقيس الخطر انطلاقا من دورها المراقب، وهي تشهد حملة الإبادة التي تطال يوميا عشرات المئات بين قتيل وجريح، بما يفرض عليها دعوة مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات عاجلة تتكفل بحماية شعب أعزل.

بينما ضمنت السلطات الحكومية في بغداد، صمت دبلوماسية الأنظمة العربية، التي مازالت ترى أن ما يجري في العراق مجرد شأن داخلي، لا يدعوها لإبداء موقف سياسي، يضر بعلاقاتها الثنائية، متناسية إن الشعب العراقي قد أعلن للعالم أن انتفاضته التي يقدم فيها التضحيات البشرية هي في مواجهة الوجود الإيراني المفروض في بلد فقد سيادته واستقلاله، تشكل تطورات الأحداث الدموية فيه خطرا يهدد الأمن القومي العربي برمته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!