-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انقشع الوباء.. فهل نعود إلى مساجدنا؟

سلطان بركاني
  • 873
  • 0
انقشع الوباء.. فهل نعود إلى مساجدنا؟

ونحن نعيش الأيام الأخيرة -بإذن الله- من عمر وباء كورونا، لا ردّه الله، لعلّه من المناسب أن نقف عند حقيقة مرّة تتعلّق ببيوت الله، أحبِّ الأماكن والبقاع إلى الله، تلك البيوت المباركة الشّامخة التي ينادَى من على مآذنها خمس مرّات كلّ يوم: “حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح”. نقف لنعترف بكلّ حسرة وأسف بأنّ هذا الوباء سوّل لكثير من المسلمين هجر بيوت الله، بعضهم بحجّة الخوف من البلاء، وبعضهم الآخر بحجّة التّضييق المفروض على المساجد.. حتّى أصبحت بيوت الله تئنّ ولعلّها تشكو إلى الله قلّة روادها وتحنّ إلى جباه من هجروها وأعرضوا عنها! وحتّى أشارت بعض التقديرات إلى أنّ أعداد المصلّين في بيوت الله، تناقصت خلال العامين الأخيرين، إلى النّصف!

الحقيقة المرّة التي ينبغي الاعتراف بها، أنّ كثيرا من المسلمين وجدوا في كورونا ذريعة وحجّة، فصاروا يصلّون في بيوتهم، ومنهم من أمسى يجمع الصّلوات في آخر النّهار، ومنهم من ترك الصّلاة بالكلية، ومنهم من يصلي في المسجد، لكنّه اعتاد ألا يقترب منه أحد، وأصبح يضيق ذرعا بكلّ من يدنو منه وربّما يحتجّ ويرفع صوته، وهو الذي يزاحم ويزاحَم في الأسواق والشّوارع وفي وسائل النّقل وفي طوابير الحليب! الاحتياط مطلوب، لكن ليس بهذه الانتقائية التي تدلّ على فيروس يتهدّد القلوب لا يقلّ خطورة عن الفيروس الذي تهدّد الأبدان.

محنة بيوت الله عمرها سنوات، بل عقود، لكنّها تفاقمت في العامين الأخيرين مع وباء كورونا، حتّى بتنا نخشى أنّنا ربّما نعيش مصداق حديث النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: “لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد، ثم لا يَعمُرونها إلا قليلًا”.. “حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح” تدوّي في كلّ حيّ وفي كلّ شارع، لكن لا مجيب إلا من رحم الله.. الأسواق شرّ البقاع تعجّ بروادها الذين لا ينقطعون عنها. المقاهي تضجّ بزبائنها الذين يمرّون بها كلّ صباح ويأرزون إليها كلّ مساء بكلّ حماس، والملاعب كذلك.. لكنّ بيوت الله وحدها التي تعاني تناقص روادها وتثاقُلهم؛ ننزل إلى الأسواق كلّ يوم نهرول فرحين، لكنّنا نخرج إلى المساجد مرّة في الأسبوع كسالى نتمايل يمنة ويسرة، حالنا كحال من قال الله فيهم: ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُون﴾.

أما آن لهذا الواقع أن يتغيّر؟!

هذا الواقع وهذه الحال، يَشيان بأنّنا ما عرفنا لبيوت الله قدرها، وأنّ قلوبنا ألهتها الدّنيا عن تلقّي وتدبّر كلمات الأذان وعن استشعار قدر وفضل الوفود على بيوت الرّحمن.. إنّ من أكثر ما يندم عليه النّادمون في قبورهم وفي عرصات يوم القيامة أنّهم لم يقدروا بيوت الله حقّ قدرها وأنّهم ركنوا إلى أنفسهم التي سوّلت لهم التخلّف عن صلاة الجماعة.

يكفي بيوتَ الله فضلا ومكانة أنّها أحبّ البقاع إلى الله عزّ وجلّ، وأنّها البيوت التي أذن المولى -سبحانه- برفعها وإعلائها وصون هيبتها ليَذكر فيها اسمَ الله ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾.. هي أحبّ الأماكن إلى الله وأحبّ الأماكن إلى الصّالحين والأتقياء، يقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “الْمَسْجِد بَيتُ كُلّ تَقِيّ” (السلسلة الصحيحة). يعمرونها ويحثّون إليها الخطى ليلا ونهار، في كلّ يوم، من دون كلل أو ملل، لعلّهم يكتبون عند الله من المهتدين: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِين﴾.. وكيف يكلّون أو يتعبون وهم يعلمون أنّهم في رباط دائم في زمن حُرم فيه المسلمون -إلا قليلا منهم- الرّباط، يقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَات؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِه، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاط” (مسلم)؟ وكيف لا يعمرون أحبّ البقاع إلى الله وهم يقرؤون في حديث السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه: “ورجل قلبه معلّق بالمساجد”.. لا تردّهم عن بيوت الله ظُلمة ولا مطر ولا بُعد طريق، لأنّهم يحفظون حديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم: “بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ، إِلَى الْمَسَاجِدِ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَة” (أبو داود والتِّرْمِذِيّ).. بيوتٌ مباركة تقابَل ببيوت في الجنّة، من بنى بيتا منها ولو كعشّ طائر بنى الله له بيتا في الجنّة.

يكفي المحافظين على الصّلاة في المساجد فخرا وعزا أنّ الله -جلّ في علاه- أثبت لهم الرجولة الحقيقية التي تعني الانتصار على أهواء النّفس وإقامتها حيث يجب لها أن تقوم: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ رِجَالٌ﴾.. المساجد هي مصانع الرّجال، لمن أخلص النية وعرف للمسجد قدره وحفظ هيبته وحرمته، ووالله لو كان أبناؤنا يتربّون في المساجد في حلق القرآن والعلم، ما رأينا هذا الجيل الذي يموت له القلب حسرة وكمدا:

لا يُصنع الأبطال إلا * في مساجدنا الفساح

في روضة القرآن في * ظل الأحاديث الصحاح

شعب بغير عقيدة * ورق يذريه الرياح

من خان حي على الصلاة * يخون حي على الكفاح.

يكفي عمّار بيوت الله رفعة ومكانة وجزاءً أنّ العليّ الأعلى سبحانه ينادى يوم القيامة أين جيراني أين جيراني؟ فتقول الملائكة ربنا من ينبغي له أن يجاورك؟ فيقول: “أين عُمَّارُ المساجد” (السلسلة الصحيحة).

أخي قارئ هذه الكلمات.. تأمّل هذه الحقيقة وستشعر بالخجل من الله: لا أحد في هذا الوجود تُخطئفي حقّه في دعوك إلى بيته ليسامحك ويكرمك ويفرح بك، سوى الله الواحد الأحد سبحانه، ولا أحد يَقبل لقاءك 5 مرات في اليوم في جميع حالاتك، سواء كنت سعيدا أم حزينًا، عزيزا قويا أم مكسورًا ضعيفًا، سوى أرحم الراحمين.. لنفرض أنّ هناك إجماعا على أنّ صلاة الجماعة ليست واجبة، لكن تخيّل لو أنّ غنيا كريما يعطي بلا منّة دعاك لتتغدّى وتتعشّى عنده كلّ يوم، وجدتَه يستقبلك بحفاوة وترحاب ويعطيك بعد الغداء وبعد العشاء مالا كثيرا، هل كنت لتنتظره حتّى يأمرك بالحضور إليه؟ ولله -جلّ وعلا- المثل الأعلى؛ هل يليق أن تنتظر حتّى يفرض عليك الحضور إلى بيته ليغفر لك ويكرمك؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!