الرأي

برلمان عمّي السعيد!

قادة بن عمار
  • 2682
  • 5

يبدو أننا سنضطرُّ قريبا لتغيير المثل الشعبي القائل “قهوة موح اشرب وروح” إلى “برلمان عمي السعيد، كول واشرب وزيد يا بوزيد”.. و”عمي السعيد” هو اللقب الذي يفضل الجميع إطلاقه على رئيس البرلمان للتأكيد على أن اختياره جاء لكِبر سنّه وليس لكفاءته!
نوابُ المجلس الشعبي الوطني يستمرون في صناعة المهازل هذه الأيام، وفي تصدير صور الرداءة بشكل مبالغ فيه، حيث بات الأمر لا يضرّ بسمعة هذا المجلس سيّئ السمعة أصلا، وإنما بسمعة البلاد ككل، طالما تناولت عدة وسائل إعلام عربية تفاصيل الأزمة ونشرت خبر الانسداد بين رئيس البرلمان ونوابه.
ويا ليت الأمر اقتصر على اشتباكٍ سياسي ناضج، أو على تدافع في الآراء بشكل ديمقراطي، مثل الذي يجري في الكويت فيؤدي إلى حلّ البرلمان أو ما يحصل مرارا في لبنان فيتطور إلى معارك فكرية وسياسية رفيعة المستوى، لكنه صراعٌ حول مصالح ضيقة، وحول اقتسام مغانم ظرفية، تماما مثلما قال رئيس “حزب الكرامة” مؤخرا حين طالب بـ”حقه” عن مدح النظام وموالاته، وها هي أحزاب الموالاة تختصم حول تلك الغنائم جهارا نهارا بل وتُحرّض على الانسداد وتطرح البدائل حتى قبل سقوط بوحجة أو استقالته بشكل رسمي!
الأكيد أن هذا ليس مجلسا نيابيا عاديا وهو لم يكن كذلك في يوم من الأيام، مثلما لم يكن رئيس البرلمان “رئيسا” بأتم معنى الكلمة، بل جرى التعامل معه بشكل غير سياسي تماما، لذلك ليس غريبا أن يقول أحد رؤساء الكتل النيابية إنه اجتمع وزملاؤه مع “عمي السعيد” وليس مع “السيد الرئيس” وكأننا في مزرعة خاصة وليس داخل مؤسسة نيابية وتشريعية مهمة!
حتى السعيد بوحجة والذي ظهر زاهدا في السلطة قبل فترة، ولم يقبل بالمنصب سوى تحت إلحاح من رفاقه، كما قال، ولأنه الأكبر سنا وليس لأنه الأكثر كفاءة، بات اليوم وفي دفاعه عن الكرسي يُخلط بين شعبان ورمضان قائلا للصحفيين إنه “رجلٌ مجاهد ولن يتخلى عن سلاحه بسهولة” وكأننا في حربٍ لتحرير فلسطين وليس في صراع حول منصب دنيوي رخيص، أو كأنه يجاهد في عدو خارجي وليس في أشخاص يقتسمون معه نفس الانتماء السياسي والحزبي!
الأمور اختلطت ويبدو أن السلطة الفعلية أو صنَّاع القرار غير مكترثين بتاتا لِما يحصل تحت قبَّة البرلمان، بل قد يستغلُّ البعض مثل هذه السجالات ويغذيها في سبيل ربح مزيدٍ من الوقت قبل الرئاسيات ولترتيب البيت الداخلي وحسم الخيار النهائي، وحتَّى الشعب لا يبدو مهتما بما يحصل في مجلس الشعب، طالما أنه ما يزال يواجه غلاء المعيشة واكتظاظ المدارس وارتفاع الجريمة وغياب التنمية وانتظار السكن واستمرار البطالة.. وغيرها من المشاكل والأزمات التي لم ولن تتوقَّف، سواء غادر السعيد بوحجة منصبه أو استمرَّ فيه.

مقالات ذات صلة