الرأي

برنامج “قلبي اطمأنّ”.. بين المحاسن والمآرب!

سلطان بركاني
  • 2227
  • 8
ح.م

لا يزال برنامج “قلبي اطمأنّ” الذي يظهر فيه شابّ إماراتيّ يطلق على نفسه اسم “غيث”، حريص على إخفاء وجهه واسمه الحقيقيّ وهو يقدّم يد العون والمساعدة للفقراء والمحرومين والأسر الفقيرة في شتّى أنحاء الوطن العربيّ الكبير الذي تتّسع فيه دائرة الفقر باستمرار، ويكابد فيه الفقراء لأجل لقمة العيش؛ لا يزال هذا البرنامج يثير الجدل على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، بين مثمّن لما يقوم به الشابّ “غيث”، وبين من يرى في البرنامج محاولة لتبييض صورة جهة معروفة لا تزال سياساتها في المنطقة العربية والإسلامية تثير الاستهجان.

البرنامج، أثّر في قلوب أكثر متابعيه، وأسال دموعهم، وحرّك ألسنتهم بالدّعاء للشابّ المتخفّي، أمام مشاهد دموع الفرح التي تنسكب من عيون الأرامل والفقراء والمساكين، وهم يستلمون المساعدات المجزلة التي يقدّمها لهم الشابّ المحسن، ليس ليسدّوا جوعتهم ويحصّلوا بعضا من حاجاتهم، إنّما ليخرجوا من دائرة الفقر المدقع ويبدؤوا حياة جديدة في مساكن تمنح لبعضهم ومشاريع عمل تُفتح لبعضهم الآخر، وممّا يزيد البرنامج تأثيرا حرص الشابّ غيث على إخفاء ملامح وجهه وعلى تعديل صوته، ورفضه أن يقدِّم أيّ معلومات عن شخصه، وترديده عبارات جميلة تتعلّق بمتعة الإحسان إلى الآخرين، منها: “النّاس للنّاس”، “الدّنيا لا تزال بخير”، “إذا ضاقت بك فأحسن إلى غيرك”، “الباحث عن السّعادة هو نفسه الباحث عن العطاء”..

كما يركّز الشابّ غيث في كلّ حلقاته على إظهار الجانب الخيّر في واقع المسلمين، والطّيبة الكبيرة التي تنطوي عليها نفوس الفقراء والمحرومين؛ فرغم الحرمان الذي يعيشونه، إلاّ أنّهم لا يتردّدون في تقديم يد العون لمن يرونه في حاجة إليها من القليل الذي عندهم الذي لا يكفي لتوفير أبسط حاجاتهم؛ يقدّمونه بنفوس طيّبة وابتسامات حانية، ترافقها كلمات تُكتب بدموع العيون.. وهذه المواقف النّبيلة هي أكثرُ ما أعجب متابعي البرنامج وأثّر في نفوسهم، ولعلّها تتضمّن ردًّا غير مباشر على الذين ينتقدون إظهار وجوه الفقراء والمحتاجين، فإظهارها في البرنامج لا يأتي في موقف إبداء ذلّهم وحاجتهم، إنّما هو في موقف الكشف عن طيب معدنهم ودماثة أخلاقهم وإيثارهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

يبقى أكثر ما يُشكل في البرنامج، هو الجهة التي تقف خلفه، وهي جهة معروفة بسياساتها غير المرضية في العالم العربيّ والإسلاميّ، لذلك يثير البرنامج الريبة في نفوس كثير ممّن يشكّون في أنّه إنّما جاء لتبييض صورة تلك الجهة والتّغطية على النّكبات التي تسبّبت فيها في أكثر من بلد، ويرون أنّه لا يعقل ولا يقبل أن تتسبّب في تشريد شعب، ثمّ تأتي لتقدّم يد المساعدة لبعض أفراده! هذا الانتقاد وجيه، وله ما يبرّره، لكنّه يبقى ظنّا لا يصمد أمام محاسن البرنامج الكثيرة، خاصّة وأنّه يأتي في وقت أتخمت فيه شاشات القنوات العربيّة في رمضان بالبرامج التّافهة التي تسعى لإضحاك النّاس من همومهم ومعاناتهم، بينما يسعى برنامج “قلبي اطمأنّ” إلى المساهمة في تفريج تلك الهموم، وإلى مخاطبة قلوب الأغنياء والموسرين لتتحرّك أيديهم بمساعدة الفقراء والمحرومين من حولهم، وبهذا فهو يقدّم دروسا عملية أبلغ وأنفع من دروس الكلمات والعبارات.. مهما كانت الأغراض التي يرتجيها بعض المغرضين من خلف البرنامج إلا أنّ تأثيره الإيجابيّ يكفي ليُثمّن.. أصحاب الأغراض لن يصلوا إلى شيء ممّا يرجون، وما يقدّمونه هو في البداية والنّهاية أموال المحرومين والفقراء عاد إلى بعضهم شيء منها، فهي حقّ لهم ينبغي لهم أن يقبلوه ويأخذوه من دون أيّ حرج.. ولعلّه يحسن في هذا المقام أن نستحضر كلمةً للإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- حينما أُخبر بأنّ أحد أمراء بني العبّاس يُنفق الأموال في تحلية المصاحف بالذّهب، فقال: “دعوه، فإنّ ذلك خير ما أنفق فيه ماله”.. فدعوا هؤلاء الذين يقفون خلف برنامج “قلبي اطمأنّ” ينفقون على الفقراء والمساكين، فإنّ ذلك خير ما أنفقوا فيه أموال المسلمين، وحاولوا الاستثمار في الجانب المشرق من البرنامج، خاصّة أنّه لا يروّج للعلمانية تحت غطاء الإحسان إلى المحرومين، إنّما على العكس من ذلك يروّج للقيم الإسلاميّة وينطلق منها وينطق بها.

مقالات ذات صلة