-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بعد 30 عامًا.. الجزائر إلى أين؟

بعد 30 عامًا.. الجزائر إلى أين؟
ح.م
أحداث أكتوبر 1988

قبل ثلاثة أيام، تذكّر الجزائريون أحداث الخامس من أكتوبر 1988، وفي خَلدهم دارتْ علامات استفهام كثيرة، أبرزها: ماذا جرى في تلك الأيام؟ ومن حرّك الشارع؟ ولأيّ غرض؟ وماذا بقي اليوم بعد 30 عامًا من المكاسب النضاليّة لتلك الجماهير؟

ربّما لم يعُدْ من المهمّ كثيرا الآن الوقوف عند فحوى الأسئلة الأولى، لأنّ التاريخ سيكشف يومًا هويّات الفاعلين، وكل تفاصيل “الفوضى المبرمجة”، لكن الأهمّ هو تقييم حصيلة ثلاثة عقود تأسّست على أنقاضها.

مهما كانت دوافع المحرّكين لأحداث 88، فإنّ المحتجّين قد خرجوا بالآلاف في كُبريات الحواضر الجزائرية، وفي مقدمتها العاصمة التي كادت تحترق على وقع الانفلات الشعبي، رافعين شعارات الحرية والكرامة أولاً، والقطيعة مع الأحاديّة بكل صورها وشخوصها، لأنّ الشرعيّة الثورية والتاريخية، في نظر الجماهير الغاضبة، فقدت بعد رُبع قرن من استرجاع السيادة الوطنيّة، مسوّغ الانفراد بالسلطة والحكم باسم روّاد التحرير، لتكون بذلك ردود دوائر صنع القرار في البلاد سريعة، بدسترة التعددية وتكريس الانفتاح السياسي والاقتصادي والإعلامي والنقابي والثقافي.

دخلت الجزائر، بمقتضى ذلك التحول الجذري مرحلة جديدة، كبُرت فيها الآمال بقدر الآلام التي كابدها جيل الثمانينيات، لكن النكسة لم تُمهل مُطولاً الحالمين بالتغيير من كل الأطياف، لتدخل البلاد دهاليز النفق المظلم، في أتون الأزمة السياسية والأمنية التي رافقت توقيف المسار الانتخابي شتاء 1992، ومعها بدأ المنحنى التنازلي يرتسمُ في أفق البناء الديمقراطي على كافّة المستويات، حتّى وصلنا اليوم إلى المرحلة الأسوإ في محطات المسار المتعرّج.

ذلك أن التحديّات الراهنة التي تواجه المجتمع في تحقيق التطلعات، تحوّلت من مراكز السلطة وقوانينها وأجهزتها إلى مواقع النخبة في كلّ الاتجاهات، ما ضاعف من حالة اليأس الجماعيّ والاستقالة الطوعيّة من الاهتمام بالشأن العامّ.

بعد 30 عامًا من النضال والمأساة والتجربة المريرة، المتفرّس في واقع المشهد الوطني بكلّ تجلياته، الرسميّة والسياسية والثقافية والرياضيّة وحتّى الدينيّة، سيُصدم بردّة أخلاقية فتّاكة تعصف برجالات النخبّة، إذ أضحت الزبونيّة والوصوليّة والارتزاق، وبيع الشرف والضمير، ومقايضة الكرامة والمبادئ والمواقف، فوق كل الاعتبارات السامية، وطنيّة كانت، أو شرعيّة أو قانونيّة أو عرفيّة، لأنّ المصالح القذرة والضيقة في مذهب “النخبة الجديدة” تعلو ولا يُعلى عليها.

على الجزائريين أن يصارحوا أنفسهم اليوم، بأنّه مهما بلغت العوائق الإدارية في الحيلولة دون تفعيل القوى الحيّة في المجتمع نحو البناء والتغيير الايجابي، فإنّ النخب المزيَّفة والمشوَّهة التي تركض على خشبة المسرح صارت عقباتٍ كؤودة أمام طموحاتها المكبوتة، لأنّها تزوِّر الحقائق وتدلّس على الشعب وتقتات على جراحه، مع استثناء الشرفاء في كلّ المواقع والمعاقل.

إنّ العبور نحو المستقبل أصبح مرتبطا بإنتاج وتفعيل نخبة بديلة عن المهرّجين والمحرّضين والمرتزقين الذين لا يرتجى منهم خير، وبقاؤهم في صدارة المشهد سيجعل الانتقالَ الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي طموحًا بعيد المنال.

 كم هو مؤسفٌ أن نبحث بعد ثلاثة عقود من التعدّدية عن دور النخبة في قيادة المجتمع، ولكنها البداية التي يستحيل الانطلاقُ من خارجها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • شخص

    إلى الخلف طبعاً (للأسف)

  • الطيب

    ثلاثون سنة أحادية على الأقل احترمت خلالها الكفاءة في مناحي عديدة ( التربية ، الصحة ، الاقتصاد ، ...) خير من ثلاثين سنة تعددية رأينا فيها كل شيء عدا الكفاءة ( حال التربية ، حال الصحة ، حال الاقتصاد ، حال الجامعة ، حال الرياضة ، حال البيئة و نظافة قرانا و مدننا و ..) !

  • عادل ابو العدالة

    في 1992 كانت صحوة اسلاموية و ليست اسلامية و الدليل على ذلك القتل المروع الذي قام به الاسلامويون بالابرياء الجزائريين .