-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مع شيخ العلماء والدعاة

بعض معـارك الشيخ الغزالي في جامعة قسنطينة

حسن خليفة
  • 601
  • 1
بعض معـارك الشيخ الغزالي في جامعة قسنطينة
ح.م

كان الشيخ محمد الغزالي- يرحمه الله- من القـلة الميمونة من العلماء والدعاة الذين خاضوا معارك ضارية ضد أعداء الإسلام وخصومه منذ البدايات، خصـوم من كل لون وشكل وصنف ورائحة، بمن فيهم خصوم الداخل، أي من داخل صفوف الإسلام ذاته، كبعض التيارات الإسلامية التي رعتها “الأيادي الآمنة” وربّتها على نحو مختار ومحدد، يتسـم خاصة بـالحدّة والقسوة في الإثخان في الإسلام وتقليب الجراحات، واستدعاء ما أمكن من معارك القرون الأولى؛ خاصة في المسائل الجزئية والتفصيلية، طبعا مع التزوُّد بما أمكن من القوة والغلظة في التجريح والتقبيح.

وقد لقي الشيخ ـ كما أشرنا من قبلُ ـ في الجامعة الإسلامية بقسنطينة أذى كثيرا من هؤلاء الإخوة الغلاظ الشداد الذين لم يرحموا سنّه، ولم يقدِّروا علمه، ولم يكن لديهـم متّسـعٌ من السماحة يتيح لهم الانخراط في النقاش العلمي الهادئ الرصين، أو حتى المجادلة بالتي هي أحسن، وإنما كانوا يذهبـون مباشرة إلى “الجرح” والتشويه، ونشر كل ما يمكـن أن يسيء ويؤذي، وكأنهم نسوا أنهم سيُسألون عن ذلك لا محالة.

والله المســتعان.. فصناعة الخلاف قطـاعٌ ربحـي عريض انتفعت منه حكوماتٌ ودول ونُخب حاكمة.

بدأت معارك الشيخ الغزالي مبكرا مع خالد محمد خالد في كتابه (من هنا نبدأ) فردّ عليه الشيخ الغزالي بـ(من هنا نعلم)، وامتدت المعارك إلى ساحات كثيرة: دينية، وفكرية، وثقافية، وحتى أدبية.. ومن يقرأ مؤلفاته ـ رحمة الله عليه ـ يلتقط ذلك النَّفَــس الدفاعي الحارّ الصادق عن الإسلام، سواء تعلق الأمر بمعركة المصحف في العالم الإسلامي، أو بمحاور القرآن الكريم وتفسيره، أو بالسنة النبوية المطّهرة والدفاع عنها ضد الغالين، وصولا إلى الأدب والشعر الحرّ والذوق الأدبي والبُعد الجمالي، والمحور العاطفي في حياة المسلمين.

فليعد من يريد الاستزادة إلى تلك الأسفار النفيسة وليقرأها ـ على مهل ـ من هذا المنظور سيـجد الغزالي سيفا من سيوف الحق مسلطا على الأعداء والخصوم منافحا عن الدين الإسلامي، ومبادئه الإنسانية الرفيعة، وثقافة الأمة الذاتية ضد كل أنواع الظلام، سواء كان هذا الظلام “ظلاما من الغرب” أو”ظلاما خاصا بالعلمانية والحداثة” الشائهة الملتبسة بالإلحاد وتشويه الدين وتحقيره التي تسرّبت مفاهيمها ومصطلحاتها وخلفياتها الصهيونية اللادينية، إلى ساحاتنا الجامعية والثقافية والأدبية بشكل مريب.. بالغ السوء، تحمل أكثر ما تحمل الإساءة إلى الدين والجرأة على المقدّسات، والإبحار في عوالم الإلحاد المستتر، باسم التنوير والاستنارة، أو بأسماء أخرى.

ومن يراجع الأطاريح الجامعية في الماجستير والدكتوراه، ومذكرات الماستر الآن يمتلئ إحباطا أمام هذه العناوين الغريبة الرهيبة وموضوعاتها الهزيلة المتعلقة بفلان أو علّان من (أعلام الفكرـ والحداثةـ والأدب الحداثي، سردا أو نقدا.. وهي تصبُّ، في معظمها في نهر مغالبة الدّين وتشويه عظمته وإسدال الأستار على منافعه وفضائله، وقد وصل الأمر إلى الإساءة إلى الذات الإلهية والانتقاص من القرآن الكريم، وأما القيّم والأخلاق فحدّث ولا حرج.

وفي هذا الخصوص أردتُ الإشارة إلى معركتين كبريتين خاضهما الشيخ هنا في الجزائر، أثناء وجوده في الجامعة الإسلامية:

ـ المعركة الأولى خاضها مع أحد أساتذة الفلسفة واسمه رائق النقري، وكان أستاذا للفلسفة وكان صاحب “لسان ولسّين”، غزير المعرفة، استثمر تعطّش الطلبة وإقبالهم على المعرفة، من جهة، واستغل من الجهة الأخرى إمكاناته المعرفية لبثّ السموم، من خلال دروس الفلسفة التي كان يقدمها، ومن خلالها اجتهد في الترويج لما كان يسمّيه “النظرية الحيوية” أو المنطق الحيوي.

وهي ـ على الإجمال ـ إلحادٌ مبطن ناعم ذكي، وانتصار لبعض النظريات الفلسفية الضالّة، وما أكثرها..

وهاهنا ملحوظة لا بد منها: كان أمثال النقري كُثرا في جامعاتنا في ذلك الوقت، وحتى الآن في موادّ ومقاييس (مساقات) متعددة، في الفكر، والدين، والثقافة، بل وحتى في العلوم الدقيقة وميادينها الفسيحة… ففي التفاصيل هناك دائما شيطانٌ إنسيّ ينشر فكرا ضالا مُضلا، أو ينشر إباحية وفجورا أو ألوانا من أنماط الحياة التي تنكر الآخرة أو تُنسيها في نفوس وقلوب الطلبة، وهذه “منطقة ظل” أكاديمية ـإذا صحّ التعبيرـ يحسُن التوقّف عندها في ملاحظات مستقلّة، فإن واقع الجامعات مؤلمٌ ومخزيٌّ ومبكي في الانحدار الفكري والسلوكي، وتجفيف منابع الإيمان والصلاح في نفوس الأبناء والبنات، بما أنتج ويـنتج أجيالا كاملة بلا هُوية. وتلك مسؤولية الدولة والمجتمع والنُّخب الإيجابية التي تستشعر المسؤولية على النحو المطلوب.

المهم بالنسبة لقصة النقري أن طالبات من معهد الفلسفة، من المقيمات في الإقامة القريبة من الجامعة الإسلامية بقسنطينة والمعروفة بإقامة نحّاس نبيل، كنّ يزرن الشيخ الغزالي، في مكتبه، ويذكرن له ما ينشره هذا الأستاذ من أضاليل في ثوب نظريات وأفكار وطروحات، فكانت استجابة الشيخ الغزالي للأمر سريعة، ونُقل عنه مقاومته لهذا الفكر المتدثّر بدثور الفلسفة والملتبِّس بالدين في بعض الأحيان، وكان الشيخ يذكر ذلك وينكُره علنا في محاضراته ودروسه، وسرعان ما سرت الأخبار في هذا الشأن.. حتى وصل الأمر إلى طلب الشيخ مناظرة هذا الدّعيّ فيما يروّجه وينشره. وهذا صنيع الشيخ؛ إذ يبادر دائما إلى طلب المناظرة والجدال في أي قضية محل نظر أو اختلاف، وقد عهد منه الطلبة ذلك في ملتقيات الفكر الإسلامي التي كانت وزارة الشؤون الدينية تنظمها سنويا.

 ـ معركته الثانية مع الدكتور عز الدين المناصرة الشاعر والكاتب والناقد الفلسطيني المعروف الذي درّس في معهد الآداب مدةً من الزمن، وكان صاحب نشاط، وله علاقات مع الأدباء والجزائريين. ومتبدأ هذه المعركة وخبرها انطلق من دراسة أعدّها ابتداءً الطالب أبو جرة سلطاني ونقّحها ونشرها صاحب هذه السطور (ح. خ) في جريدة “النصر” التي كان متعاقدا معها بالكتابة المنتظمة.

نُشرت الدراسة، في حلقات متسلسلة بعنوان “أين الحداثة أين الفن؟” في ديوان “الخروج من البحر الميت”.. ولقيت بعض الاهتمام؛ لأن فيها نوعا من الكشف عن “ملامح الإلحاد ـ والتجديف ـ والإساءة إلى الدين وإلى الذات الإلهية المقدسة، وسرعان ما وصلت إلى مسامع الشيخ بعض الأصداء فقام من فوره فأذاع ذلك في بعض محاضراته وشدّد النكير على الشاعر الفلسطيني، ولم يكتف بذلك بل اتصل بمسؤولين كبار رافضا أن يكون في جامعة جزائر الشهداء والمجاهدين أمثال هذا المُجاهِر بمنكراته وإساءته لله تبارك وتعالى. كما استنكر ـ كعادته ـ أن يكون في الفلسطينيين الذين يكافحون العدوان الصهيوني ومن وراءه مَن يحمل مثل هذا الفكر!. والقصة تطول..

المهم أنه تم إبعاد الشاعر المناصرة إلى جامعة تلمسان فيما أذكر بعد تدخلات كثيرة من ياسر عرفات وبعض القادة الفلسطينيين ولم تنطفئ المعرفة إلا بعد حينٍ من الوقت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • خليفة

    نسال الله ان يتغمد الداعية محمد الغزالي برحمته الواسعة و ان يسكنه فسيح جنانه ،و ان يرحم كل العلماء الاتقياء الانقياء العاملين الذين دافعوا عن الحق و الحقيقة حتى آخر رمق من حياتهم ،اما محاربة بعض العلمانيين للدين و محاولة تشويهه ،فهو ناتج عن ترديد ما يقوله اسيادهم من المستشرقين ،و ما يكتبونه يدخل في باب خالف تعرف ، فهؤلاء العلمانيين العرب فقدوا البوصلة ،فلا هم استفادوا من منجزات الحضارة الغربية ،و لا هم تمكنوا من فقه تراثهم الثقافي و الديني ،فهم غرباء عن تلك الثقافتين ،و لذلك فهم مذبذبين ثقافيا و من هنا فهم يهرفون بما لا يعرفون.