-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أقواس

بكالوريا الزمن الجميل

أمين الزاوي
  • 6358
  • 9
بكالوريا الزمن الجميل

أقول لهزار ابني مثلك أنا الآخر يا بني خرجت ذات صباح لامتحان البكالوريا مثلك يا صغيري كنت خائفا وربما أكثر منك، حتى. كانت البكالوريا حدثا وحديثا كبيرين في النجاح وفي الرسوب.

  • أما حكايتي مع امتحان البكالوريا فكانت غريبة وربما فريدة أستعيدها معك اليوم وأنت تخرج للامتحان قلقا كثيرا، ربما.
  • كنت في السنة الأولى ثانوي اختصاص رياضيات classe première maths بثانوية ابن زرجب بتلمسان، ولكن قلبي كان في الأدب مستوطنا. حتى وإن كنت من أنجب تلاميذ الثانوية في مادتي الرياضيات والفيزياء اللتين أحببتهما لما كنت أجد فيهما من تجريد، إلا أن الشعر والفلسفة كان لهنا سلطان عليّ، وبذلك كانت كتب الأدب رفيقتي حيثما حللت، في الساحة أوقات الاستراحات وفي المرقد في القسم الداخلي الذي كنت أنتمي إليه، كنت لا أُرى إلا وأنفي مغمور بين صفحات كتاب. ومع أنني كنت تلميذا نجيبا في العلوم إلا أنني كنت أقوم بذلك من باب الفرض والواجب، وهو ما كان يرضي أبي وأمي ويسعدهما لأنهما كان يريدان أن يرياني، ربما، ذات يوم طبيبا أو مهندسا أو طيارا، لقد خيّبت ظنهما دون شك أنا الذي استهوتني غواية الكتابة وحرفة الأدب فلهما مني طلب السماح والغفران.
  • كنت أشعر وعلى الرغم من تفوقي في تخصص الرياضيات بما كنت أحققه من نتائج تتوجني مع نهاية كل سنة بجوائز كثيرة إلا أن سعادتي لم تكن يوما ما كاملة،  كنت أجد سعادتي وحريتي خارج هذه الدروس التي كنت أشعر بها باردة يوما بعد يوم، هكذا وكي أتخلص من هذه الوضعية قررت أن أدخل مغامرة دون أن أخبر والديّ، كنت أستعجل أمرا ما لذا قررت أن أتقدم لاجتياز امتحان شهادة البكالوريا في الآداب وكمرشح حر وأنا لا أزال تلميذا في السنة الأولى قسم الرياضيات.
  • بسرية كبيرة ودون إخبار أحد هيأت ملف الترشح وأرسلته إلى المديرية المركزية للامتحانات بالعاصمة. 
  • لم أقرأ برنامج السنة النهائية في الفلسفة ولا برنامج الأدب ولا التاريخ ولا الجغرافيا ولا اللغة الفرنسية ولا اللغة الأجنبية الثانية التي كانت الإسبانية، لا أتذكر أنني درست في الكتب التي كانت مبرمجة رسميا على تلاميذ السنة النهائية شعبة الآداب، كل ما كنت أقوم به وتلك كانت عادتي المفضلة والمكرسة هو تكثيف في استعارة الكتب من مكتبة البلدية، كانت مكتبة بلدية بمعنى الكلمة!! برصيدها الثري والمنظم والمتجدد وبشخصية القيم عليها السيد آيت عبد القادر أطال الله في عمره إن كان لا يزال حيا ورحمه الله إن كان في العالم الآخر، كان السيد آيت يعرف محتويات مكتبته كتابا كتابا، عنوانا عنوانا، وكان لا يكتفي بإعارتي الكتب بل كثيرا ما ناقشني في بعضها، بعد أن أرسلت ملف الترشح للبكالوريا  ازدادت قراءتي لكتب الشعر والروايات والنقد والتاريخ والجغرافيا والفلسفة والتي لم تكن ذات علاقة مباشرة بالامتحان، كنت أقرأ ما يعجبني وبشهية عالية ومتصاعدة. لم يقلق الامتحان وهو يقترب عادة الحرية في قراءاتي الحرة. كنت أقرأ الكتب المنوعة دون شعور بخوف. كل ما كنت أقوم به من قراءات كان من باب المتعة قبل كل شيء، لم أقرأ ما كان يقرأه الآخرون في شهور وأيام تحضير الامتحان، لم أتنازل يوما عن شهية القراءة المفتوحة. مع ذلك كنت بين الفينة والأخرى أتوقع أسئلة الامتحان فأجد لها أجوبة في هذه الكتب التي قد تبدو لا علاقة لها مباشرة بالباكالوريا.
  •  كنت أقول بيني وبين نفسي ومع الانتهاء من مطالعة كتاب ما: إن كتب مكتبة السيد آيت عبد القادر أكبر من أسئلة الباكالوريا ولا يمكنها أن تخيّب ظني.
  • هكذا قرأت الفلسفة في روايات كامو وسارتر وتوفيق الحكيم وفرانتز فانون وقرأت الجغرافيا في كتب الرحالة القدامى والمعاصرين من ابن فضلان مرورا بابن بطوطة وصولا إلى رفاعة الطهطاوي وبعض الكتب الجميلة les beaux livres وقرأت التاريخ القديم في كتب جورجي زيدان ومذكرات بعض الشخصيات التي كانت تغريني كثيرا من كتب هتلر وديغول وتشرشل وقرأت الفرنسية في ثلاثية محمد ديب وأحدب نوتردام لفيكتور هيغو وأزهار الشر لبودلير… لم يغيّر اقتراب تاريخ امتحان الباكالوريا عادتي في القراءة ربما ركب عليها أسئلة أخرى إضافية.
  • قبل يومين من حلول موعد الامتحان، ودعتني أمي قلقة قليلا  وقد حاولت إخفاء ذلك ولكنني كنت أشعر أنها كانت تقول في نفسها: أَكُلُّ تلك الكتب التي بلعتها في رأسك غير قادرة على إنقاذك يوم الامتحان؟ ودعت لي بالنجاح بابتسامة ملائكية وملكية كبيرتين. وركبت الحافلة في اتجاه مدينة وهران حيث كان يجرى امتحان الباكالوريا الخاصة بالمرشحين الأحرار على مستوى الجهة الغربية من البلاد.
  • … وجاء اليوم الأكبر، الخوف الأكبر، حين دخلت قاعة الامتحان في ثانوية “الحياة” العريقة بوهران، كانت القاعة بسيطة كأية قاعة، شعرت برهبة ما، دوخة، خوف، الآن فقط أدركت أن الباكالوريا مخيفة كثيرا، أخذت مكاني خلف طاولة ألصقت على زاويتها ورقة كتب عليها رقمي واسمي الكامل بقلم ألْفوتْر الأحمر. الآن أشعر بأن الامتحان شيء مخيف، لماذا؟ لست أدري. لا أحد يدري. وسيظل مخيفا للكبار والصغار على السواء.
  • عبد الحليم حافظ يبدد خوفي
  • جلست، نظرت في الممتحنين كان الخوف باديا عليهم، ووجدتني أصغرهم سنا، أصغرهم بكثير، لأن غالبية من كان يدخل امتحان الباكالوريا أحرار هم من المعلمين أو الموظفين الذين يبحثون عن ترقيات ما في وظائفهم، ازداد خوفي إذ وجدتني أصغر الحاضرين في القسم، وشعرت باستغراب الحارسين من وجودي بين هؤلاء الذين بعضهم هم في عمر والدي، وقد دققا لأكثر من مرتين بطاقتي الوطنية ودعوة الامتحان، ساد الصمت بعض نصف ساعة قبل وصول الأسئلة، نظرت إلى السبورة، كان هناك مقطع من أغنية “زي الهوى” لعبد الحليم حافظ مكتوبا بخط جميل بالطباشير الأحمر، شعرت بسعادة ما، نسيت هاوية الخوف وأعدت قراءة مقطع الأغنية مرات عديدة “زي الهوى يا حبيبي زي الهوى”، ثم بدأت في دندنتها، وعبد الحليم حافظ هو مطربي المفضل ولا يزال حتى الآن، قبل أن تدخل الأسئلة كان العندليب الأسمر قد خلصني من كل خوف.
  • مر يوما الامتحان وقد أجبت على الأسئلة مما قرأته من كتب مكتبة آيت عبد القادر، وأنا أردد بصمت أغاني عبد الحليم حافظ، كنت متيقنا أن دعوة والدتي وكتب مكتبة بلدية تلمسان لا يمكنهما أن يخيبا ظني. وكان الذي أردت.
  • نجحت بتقدير في الامتحان ولكن أساتذتي الذين كانوا يعرفون قدراتي واجتهادي في الرياضيات والفيزياء أرادوا إقناعي بالتخلي عن هذا النجاح المبكر وانتظار امتحان الباكالوريا النظامي في وقته كي أكون طبيبا أو مهندسا، لكن شيئا ما كان يقول لي: قد يرى القلب مرات ما لا يعرفه العقل.
  • نعم هكذا يا بني يا هزار جئت الأدب والكتابة بقرار ورغبة شخصيتين، وأنا سعيد لأنني اتخذت ذلك في وقته. فتهاني لك ولجميع الأطفال بالنجاح في الامتحان وأهم من ذلك النجاح في الحياة.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • lyes

    ous meritez d'etre à la place de LA MINISTRE MADAME toumi , elle m'excuse sur ce propos .

  • حنان

    نفتقدك يا زمن الأحرار أين نحن من كل هذا وكأن الإرادة دفنت فينا مع عولمة لم يكن لنا يد فيها يا دكتور لما لا تسعون لكشف الغطاء عن الواهب ببرامج توجيهية لأطفالنا طلابنا أبنائنا و أاكد لكم أن هناك طقات تفوق طاقات الزمن الجميل
    ما شاء الله

  • istabrak

    في راي سر النجاح الاصرار,الثقة ,الامل,الطموح مع التخلي و البتعاد عن الخوف الجزائر تفتخر بابنائها ,السبع وليد اللبة

  • saidovitch

    يا دكتر اليوم لا بد من توفر شرط حيازة شهادة السنة الثالثة ثانوي حتى يسمح لك بالامتحان. و لو كنت مخ لمخاخ. اليوم في الجامعة قسم ماجستير تتم عملية المناداة بالاسم على الطلبة كما يفعل في اقسام الابتدائي. و الذي لا يحضر 3 مرات يطرد و لو كان في مثل مستواك يا دكتر...كل شيئ بالمقلوب...

  • sara

    راءع يا دكتور راءع

  • saidovitch

    يا دكتر اليوم لا بد من توفر شرط حيازة شهادة السنة الثالثة ثانوي حتى يسمح لك بالامتحان. و لو كنت مخ لمخاخ. اليوم في الجامعة قسم ماجستير تتم عملية المناداة بالاسم على الطلبة كما يفعل في اقسام الابتدائي. و الذي لا يحضر 3 مرات يطرد و لو كان في مثل مستواك يا دكتر...كل شيئ بالمقلوب...

  • عبد الكريم

    هيهات أن يكون كل الموهوبين مثلك يا دكتور، تحياتي وتقديري

  • ايمان

    الله يباك متعتنا

  • حسان الجزائري

    و الله يعطيك الصحة يالحاج،